[مظاهر التدخين وأضراره على الفرد والمجتمع]
الحمد لله رب العالمين الذي أحل لنا الطيبات وحرم علينا الخبائث، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل وقوله الحق: {وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء:٢٩]، وأشهد أن نبينا ورسولنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، بلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، والملأ الأعلى إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها الإخوة الكرام الأحباب! لقاؤنا اليوم عام في مسألة عمت بها البلوى، والبعض قد أفتى وقال فيها على الله بغير علم فضلّ وأضل، رغم وضوح الأدلة على تحريمها، فالجميع يقر بأن الدخان من الخبائث، فلا نجد عاقلاً قبل أن يشرب الدخان يقول: بسم الله، وبعد أن يشربه يقول: الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا، وهذا إقرار بأنه من الخبائث، لكنه في زمن الإحن والمحن، وحينما وسد الأمر إلى غير أهله نجد من يقول: إن التدخين للأغنياء حلال وللفقراء حرام، حتى التفرقة أصبحت بين الأغنياء والفقراء في أمر التدخين، وبعضهم يقول: التدخين ليس حراماً وإنما هو مكروه؛ لأنه ليس فيه نص قطعي الثبوت والدلالة، معنى ذلك: أن الحرام لا بد أن يكون بنص قطعي الثبوت، والقطعي الثبوت يعني به: القرآن أو الحديث المتواتر، والقطعي الدلالة يعني به: الواضح المعنى، وبهذه القاعدة الأصولية التي رددها البعض في الفضائيات وسمعها الجميع يصير كل الحرام المبني على حديث الآحاد ليس بحرام، فالذهب حرام على الرجال، وحديث تحريم الذهب آحاد، إذاً: هو ظني الثبوت، إذاً: وفقاً لهذه القاعدة التي أصّلها البعض ممن ينتسبون إلى العلم زوراً: أن كل حرام يبنى على أحاديث الآحاد مردود، وبذلك هدموا الدين.
وقبل أن أبدأ في أدلة بيان تحريم الدخان، وقبل أن أبدأ في بيان نشأة هذه الظاهرة: لِم تدخن؟ فليسأل كل عاقل نفسه لماذا أنت تدخن؟ الجواب متعدد طبقاً للمشارب والصفات والمواصفات، فقائل يقول: أنا أدخن لأشعر أنني رجل، فالرجولة لا تكون إلا بالدخان، غلام صغير لم يبلغ الحلم يمسك بالسيجارة فيشعر بذلك أنه أصبح من الرجال.
وآخر يقول: أنا أدخّن لأن أبي يدخّن، ولأن شيخي يدخّن، هذا الكلام يغضب منه البعض، لكن إذا ابتليتم فاستتروا: (كل أمتي معافى إلا المجاهرون) كما قال صلى الله عليه وسلم، وثالث يقول: أنا أدخّن لأخرج همي بالسيجارة.
يا عبد الله! أرأيت عاقلاً يقتل نفسه ليخرج همه؟ أليس الله يقول: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة:١٩٥]، أنا معي دراسة من الأطباء تثبت أن الدخان يسبب الأمراض، فسرطان الرئة، وسرطان المثانة، وسرطان الحنجرة، وتشوه الأجنّة سببها التدخين.
إن المدخّن عند تدخينه يغيب عنه العقل، ولو حضر العقل وحكّمه في القضية لرد الأمر في الحال، جاءوا لمدخن عاقل بشاشة تليفزيونية بيضاء، فظل يدخّن وينفخ على الشاشة حتى تحولت الشاشة البيضاء إلى سوداء قاتمة؛ لأن الدخان به مادة النيكوتين التي تدخل في فتحات الرئة فتغلقها؛ لذلك تجد المدخّن يلهث، أي: أنه حينما يسير مشواراً طويلاً أو يصعد السلّم لا يستطيع؛ وذلك لأن رئته مغلقة.
فيا قوم! أليس منكم رجل رشيد؟! وآخر يقول: أنا أدخّن لأن حبيبتي أغضبتني فأريد أن أنسى إغضابها لي بالسيجارة.
امرأة في السيارة تدخّن وتريد أن تكون كالرجال، فتراها مترجّلة تشعل السيجارة وتشعر أنها من الرجال وفي عداد الرجال.
فهذه الظاهرة عجيبة، وتختلف الإجابات بحسب اختلاف المشارب.
فلماذا أدخّن؟ هذا سؤال ينبغي أن يطرحه كل عاقل على نفسه: لماذا أنا أدخّن؟ ربما يقول قائل: إن كانت حرام سنحرقها، وإن كانت حلال نشربها: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ} [الأنعام:١٢١].
ولنأتِ إلى البعد الاقتصادي: كم ينفق العالم على السجائر؟ هب أن رب أسرة يدخّن في اليوم علبة واحدة من المالبورو أو السوبر الذي هو أرخص، فلو قلنا بأن سعر السوبر بالجنيه المصري (٢.
٥) × (٣٠) يساوي (٧٥) جنيهاً في الشهر، فكم في السنة؟ (٧٥) × (١٢) يساوي (٩٠٠) جنيه في السنة، أي: أنه يقترض من أجل الدخان، ولا يجد ما ينفقه على رغيف الخبز، فتقول له الزوجة: نريد خبزاً للأولاد، فيقول: لا أملك شيئاً، فتقول: وقيمة السجائر معك؟ يقول: لا أستطيع أن أفارقها، ولا أستطيع أن أقلل من شربها، فهذا إدمان إن زاد به الحال يشربها محشية.
هذا الذي يحدث، وسندهم أن البعض أفتى بأن التدخين ليس حراماً لكنه مكروه، والذي يكرهه هو الله عز وجل، فلماذا تفعل المكروه؟ والله إني أحبك أيها الأخ! فأقول لك: أدلة تحريم التدخين عديدة.
يقول بعض العلماء: التدخين عادة مارسها الهنود الحمر في أمريكا قبل أن تُكتشف، وانتقلت إلى أوروبا مع المستكشف