الحمد لله رب العالمين القائل:{الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ}[السجدة:٧ - ٩]، والقائل:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ}[فاطر:٣]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، بيده الخير {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[المائدة:١٢٠]، وأشهد أن نبينا ورسولنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، ترك الأمة على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، والملأ الأعلى إلى يوم الدين.
أما بعد: فحديثنا اليوم بحول الله وفضله وتوفيقه مع الدروس والفوائد المستفادة من خطب النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وأقول: خطب لا خطبة، لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في أكثر من موضع في حجة الوداع، فقد خطب في يوم عرفة كما بينا في اللقاء السابق، وخطب أصحابه في أيام منى بعد رمي جمرة العقبة، وخطب أيضاً في يوم النحر، ثم خطب وهو راجع إلى المدينة.
وهذه الخطب قد استخلصت منها الفوائد والدروس ونجملها في الآتي: الفائدة الأولى: قطع الصلة بالجاهلية.
فما هي الجاهلية؟ وما معنى كلمة الجاهلية؟ إن هذا موضوع مهم جداً؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال في خطبة عرفة:(ألا إن كل شيء من أمور الجاهلية موضوع تحت قدمي)، وقد يجمع المسلم بين إسلام وجاهلية، ففي الحديث:(أن أبا ذر عير بلالاً بلون أمه، فقال له: يا ابن السوداء)، فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:(إنك امرؤ فيك جاهلية)، فعلى كبر سنه رضي الله عنه لا يزال فيه أثر من آثار الجاهلية، فالجاهلية سلوك وخلق وحكم وتصور.