[المواضع التي ذكر فيها البكاء في سنة النبي صلى الله عليه وسلم]
أما البكاء في سنة النبي صلى الله عليه وسلم: ففي حديث أبي هريرة الجامع المانع في فضائل الأعمال، وتعطير أو ترطيب الأفواه بذكر من يظلهم الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(سبعة يظلهم الله في ظله)، وفي رواية الموطأ:(سبعة يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله)، وجميع الروايات في البخاري ومسلم والنسائي والترمذي والموطأ تنتهي إلى أبي هريرة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إمام عادل، وشاب نشأ في طاعة الله، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه)، أي: بكى من خشية ربه، ولذلك لا يلج النار أحد بكى من خشية الله، صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(حتى يعود اللبن في الضرع)؛ لأنه بكى من خشية الرحمن عز وجل.
ومن الأحاديث في فضل البكاء قول النبي صلى الله عليه وسلم:(لو رأيتم ما رأيت لبكيتم كثيراً ولضحكتم قليلاً، ولما استمتعتم بالنساء على الفرش) وذلك أنه رأى الجنة والنار صلى الله عليه وسلم.
أيها الأحباب الكرام! والبكاء من خشية الله يقسمه العلماء إلى أنواع، يقول العلامة ابن القيم: وكان بكاء النبي صلى الله عليه وسلم كضحكه، أي: لم يضحك قهقهة، إنما كان ضحك النبي صلى الله عليه وسلم تبسماً، لحديث:(ما رؤي مستجمعاً ضاحكاً قط)، لم يضحك مثلنا بقهقهة وبصوت مرتفع؛ لأن هذا من صنع الغافلين، كذلك كان بكاؤه لا يشعر به أحد، يقول العلامة ابن القيم: فكان بكاؤه من جنس ضحكه، لم يكن بشهيق ورفع صوت، كما لم يكن ضحكه بقهقهة، إنما كانت عيناه تدمعان دون أن يشعر به أحد.
وفي هذا لما قال لـ عبد الله بن مسعود:(اقرأ علي القرآن، قال ابن مسعود: فقرأت عليه من سورة النساء حتى بلغت قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً}[النساء:٤١] قال: حسبك -أي: كفاك- فنظرت إلى وجهه؛ فإذا عنياه تذرفان)، أي: أن ابن مسعود ما علم ببكاء النبي صلى الله عليه وسلم بصوته، إنما علم بكاءه بالنظر إلى وجهه عليه الصلاة والسلام.