تفسير قوله تعالى:(فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسروراً)
ثم قال تعالى:{فَوَقَاهُمْ اللَّهُ}[الإنسان:١١]، دفع عنهم، {شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً}[الإنسان:١١] في وجوههم، {وَسُرُوراً}[الإنسان:١١] في قلوبهم؛ لأن النظرة تكون للوجه، والسرور للقلب، (كان صلى الله عليه وسلم إذا سرَّ استنار وجهه كأنه القمر)، فسرور القلب على التوِّ والفور يعطي نضرة في الوجه؛ كما قال تعالى:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}[القيامة:٢٢ - ٢٣].
فقوله تعالى:{فَوَقَاهُمْ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً}[الإنسان:١١]، فجزاهم حسن الظاهر بنضرة الوجه، وجزاهم حسن الباطن بسرور القلب، وكل إنسان يسعى إلى السرور، وكل إنسان يبحث عن السعادة، فجامع المال يظن أن في المال السعادة، والذي يسعى إلى الملك والمنصب والكرسي يسعى إلى تحقيق السعادة، والذي يريد الولد يسعى لتحقيق السعادة، فهل السعادة في كثرة المال؟ وهل السعادة في كثرة الولد؟ وهل السعادة في تحقيق الملك والمنصب؟ وهل حقق المال السعادة لـ قارون؟ قال عز وجل:{وَآتَيْنَاهُ مِنْ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ}[القصص:٧٦]، يعني: مفاتيح الخزائن يعجز جماعة الرجال عن أن يحملوها، فما بالك بالخزائن؟ {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ}[القصص:٧٩]، يركب المراكب الفارهة، والحرس عن يمينه وعن يساره، والطبل يدق بين يديه، والعلم يرفع فوق رأسه زينة وبهرجة، والناس ينقسمون إلى قسمين: قسم ينظر ويقول: {يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}[القصص:٧٩]، وهؤلاء هم طلاب الدنيا، ينظرون إلى الأغنياء فيقولون: يا ليت لنا مثل ما عندكم، فيا عبد الله! لا تتمن هذا، فعنده الكثير الذي يخفى عليك من الهم والمرض، لكنك لا تعرف، ورغم وجود المال فالمال لا يسعد، يقول ربنا سبحانه:{فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ * وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ}[القصص:٨١ - ٨٢]، ثم قالوا:{لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا}[القصص:٨٢].
وهل حقق الملك السعادة لفرعون؟ قال عز وجل حاكياً عنه:{أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي}[الزخرف:٥١]، فكان له ملك مصر، وكل الناس يأتمرون بأمره، ولذلك أرسل الله كل نبي إلى قومه، إلا موسى أرسله إلى فرعون، كما قال تعالى:{اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ}[طه:٢٤]؛ لأنه في ذلك الوقت كانت الرعية في مصر تأله فرعون، قال عز وجل:{فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ}[الزخرف:٥٤]، لذلك لما أغرق الله فرعون قال له:{فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً}[يونس:٩٢]، آية لكل ظالم، وكما قال:{وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي}[الزخرف:٥١] أجراها الله من فوقه، والجزاء من جنس العمل، وقد قال قائلهم الظالم للموحدين: لو نزل ربكم لحبس معكم في زنزانة؛ فابتلاه الله بأن كان على طريق الإسكندرية الصحراوي، فدخل بسيارته في سيارة تحمل أسياخ حديد، فقطع الحديد جسده إرباً إرباً، قال عز وجل:{وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ}[إبراهيم:٤٢]، والقصاص في هؤلاء يكون فيه عبرة وعظة لغيرهم، فحدثني عن أي ظالم لم يكن فيه عبرة وعظة لعباد الله سبحانه؟ فالظلمة وأصحاب المعاصي حياتهم تنتهي بكارثة لا شك، فهذا يقتل زوجته التي تزوجها زواجاً عرفياً، ثم يقتل مدير أعماله، ثم يقتل نفسه؛ ليكون عبرة لمن كان على شاكلته، وهذه هي النهاية، فحياتهم رخيصة، لكن حياة المؤمن غالية، لها ثمن عند الله عز وجل، هذه هي نهاية العصاة، يموتون كالجيف، والله عز وجل لا يرضى عنهم، والناس تلعنهم بما قدموا، وبما كسبت أيديهم، {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ}[الحشر:٢]، اعتبروا يا شباب! فيا من تبحث عن الشهرة ويا من تبحث عن المال، ليست السعادة في المال ولا الشهرة، واسمع إلى قول ربك:{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}[النحل:٩٧]، يا لها من حياة! فحياة المؤمنين وحياة الذين يسجدون آناء الليل وأطراف النهار حياتهم هنيئة سعيدة.