للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (إنما نطعمكم لوجه الله)]

قال تعالى: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً} [الإنسان:٩]، أي: إنما نطعمكم ابتغاء وجه الله سبحانه، وطلباً لرضا الله، ولا نريد منكم أن تكافئونا على هذا الإطعام، ولا أن تشكرونا بين الناس، لا نريد منكم جزاءً لنا، ولا شكوراً عند الناس، ((إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ))، وهذا هو الإخلاص.

ولذلك يوم أن يتحقق الإخلاص في قلوبنا تكون الأعمال اليسيرة كثيرة، فكم من عمل صغير عظمته النية، وكم من عمل كبير حقرته النية، ولذلك قالوا: كم من قتيل بين الصفوف الله أعلم بنيته.

اللهم ارزقنا الإخلاص في القول والعمل.

والإخلاص هو طريق الخلاص، قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة:٥]، وكان السلف يتحرون الإخلاص في كل أعمالهم، حتى إنهم كانوا يؤدون الأعمال ولا يعرفها أحد من البشر، ولا تعرف إلا بعد موتهم، فبعد الموت يكتشفون أن فلاناً كان يقوم على رعاية فلان، أما في حال حياته فكان يخفي عمله بينه وبين ربه.

دخل عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أرض معركة بعد أن وضعت الحرب أوزارها يتعرف على القتلى من المسلمين، فوجد رجلاً مسلماً وقع شهيداً، فنادى على الحضور: من يعرفه؟ فقلبوه، وإذا بالكل لا يعرفه، فبكى عمر وقال: ما ضره أن عمر لا يعرفه، يكفي أن الله يعرفه.

فلا يقدم ولا يؤخر أن يعرفك الناس، ولكن لا بد أن تبتغي بعملك وجه الله، لا أن يقال عنك: العالم العلامة، والحبر الفهَّامة، وأستاذ الأساتذة، فإن كانت نيتك أن تتعلم علماً لتماري به العلماء، أو تجادل به السفهاء، أو لتلفت أنظار الناس إليك؛ فعملك حابط يا عبد الله! فابكِ على عملك وعلى نفسك، وكن على خوف بعد العمل الصالح ألا يتقبله الله عز وجل، وألا يكون عملك كما قال عز وجل: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [الفرقان:٢٣].

وقال عز وجل: {وَبَدَا لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:٤٧].

وقال: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً} [الإنسان:٩ - ١٠]، قال ابن عباس في قوله: (عبوساً): ضيقاً، وقال في قوله: (قمطريراً): طويلاً، وهذا اختيار الحافظ ابن كثير رحمه الله.

ولذلك تعبس فيه الوجوه، ويتقلص فيه الجبين، من شدة هوله، ولذلك ربنا يقول في هذا الشأن: {فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} [المدثر:١٠].