[المنهجية الصحيحة في مواجهة أعداء الأمة]
أيها الأحباب الكرام! منهجنا ثابت وواضح ومعروف لا نغير فيه ولا نبدل، فلسنا مع التخريب والمظاهرات بحال، قلناها ونقولها مراراً: لا لحساب أحد، وإنما هو شرع ربنا نوضحه ونبينه، ونقول: إن الشرع قد ألزمنا أساليب شرعية للتغيير والتعبير عن الرأي، وليس منها مظاهرات تدعو إلى التكسير والتخريب والاختلاط بين الغث والسمين، والمزايدة بشعارات واهية، يرفعها من يركب الموجة، ويحسب على التيار أو المجموع، فاتقوا الله! فدعوتكم أمانة، ودينكم أمانة، ومسجدكم أمانة، فنحن لا نملك لإخواننا في فلسطين أو في العراق إلا أن ندعو أولاً، قد يقول قائل: ماذا يصنع الدعاء، وقد مللنا من الدعاء؟! أقول لك: اتق الله، فالدعاء يحرق الصخور ويحطم الشرك والكفر: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ} [القمر:١٠]، ما زاد نوح على ذلك وما قام بمظاهرة، فكان جواب ربه: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} [القمر:١١ - ١٢].
وفي حديث الثلاثة الذين دخلوا الغار، فأطبق على باب الغار صخرة، ماذا صنعوا؟ هل حطموها بمعول أو بفأس؟ هم في ظلام دامس، وعلى باب الغار صخرة يعجزون عن تحريكها حتى وإن جاءوا بأكبر الآلات، ماذا صنعوا يا عباد الله؟! قالوا: هيا بنا نتذكر أعمالنا الصالحة ونتوسل إلى الله بها، لعله يفرج عنا ما نحن فيه، فقام الأول وقال: يا رب! إنك تعلم ولا يعلم سواك أنه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت باراً بهما، وكنت في كل ليلة آتيهما بغبوق اللبن فأسقيهما قبل أن يناما، فيناما بعد أن يشربا، ففي ليلة تأخرت وجئت بغبوق اللبن فوجدتهما نائمين، والصغار عند قدميَّ يتضاغون، فأبيت أن أسقي أبنائي حتى يشرب أبوي، فلما استيقظا في موعدهما أعطيتهما فشربا، ثم سقيت أبنائي بعدهما.
يا قوم! يأتي الزوج بالفاكهة ويدخل بها على الزوجة، فيضعها في الجيب، أو يخبئها وراء الظهر حتى لا ترى الأم؛ لأنه يأخذ التعليمات الشفوية المشددة: لا تدخل على أمك إلا بإذني، أمي لا أبرها إلا بإذن زوجتي، يا قوم! ماذا حدث لنا؟! قال: اللهم إن كنت تعلم -والله يعلم- أني فعلت ذلك لأجل وجهك وابتغاء مرضاتك؛ ففرج يا رب! عنا ما نحن فيه.
فتحركت الصخرة، والذي حركها هو الله، الصخرة تتحرك بالدعاء يا قوم! هذا الدعاء من عبد أخلص لله.
رب عبد فينا لا نلتفت إليه يقول: يا رب! عليك بأعداء الدين، فيحطمهم الله وهو قادر.
أما الثاني فقال: يا رب! إنك تعلم أنه كان عندي أجير يعمل بالأجرة، ففي يوم ترك أجره دون أن يأخذه، فأخذته ونميته واستثمرته له، فجاء بعد مدة يقول: يا عبد الله! تركت عندك أجراً منذ زمن، قلت: انظر إلى هذا القطيع من الأنعام هو لك، قال: أتهزأ بي؟ قلت: استثمرته لك.
فيا من تأكلون حق الأجير! اتقوا الله في أنفسكم، يا من تستعبدونهم بغير وجه حق! اتقوا الله في أنفسكم.
قال: فأخذ القطيع، فيا رب! إن كنت تعلم أني فعلت ذلك لأجلك ففرج عنا ما نحن فيه، فتحركت الصخرة مرة ثانية دون أن يمسها أحد.
فجاء الدور على الثالث، يقول العلماء: والثالث أفضلهم؛ لأنه لو لم تتحرك لما خرجوا، إذ إن المكان لا يتسع للخروج.
قال: يا رب! إنك تعلم أنه كانت لي ابنة عم وكنت أحبها، فجاءتني يوماً تسألني فأبيت أن أعطيها حتى تمكنني من نفسها، فلما جلست بين شعبها الأربع كما يجلس الرجل إلى زوجته قالت: يا عبد الله! اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فانتفضت من عليها خوفاً منك يا رب! وتائباً إليك، فإن كنت فعلت ذلك ابتغاء مرضاتك ففرج عنا ما نحن فيه، فتحركت الصخرة فخرجوا بإذن الله.
إذاً: الدعاء يحرك الصخر، أما أنا وأنت إن كنا معهم في الغار، وقلنا: يا رب! فرج عنا ما نحن فيه فربما أتت صخرة فوق صخرة؛ وذلك بفعل ذنوبنا، فنحن نقول: يا رب! انصرنا، لكننا لا نجد أعمالاً صالحة نتوسل بها إلى الله.
فلا تغتر بمظاهرة جماهيرية، هي غثاء كغثاء السيل، والذي نفسي بيده لا عقيدة ولا التزام بمنهج ولا التزام بحدود، إنما هي فقاقيع تطير في الهواء.
منهجنا في هذا المسجد ثابت وواضح وبيّن.
الأمر الأول: ندعو، الأمر الثاني: ندعم بالوسائل الشرعية، كمقاطعة السلع، ومقاطعات المنتجات؛ وكالدعم المادي إن أمكننا ذلك، هذا ما نملكه إلى بعض الوسائل المشروعة الأخرى.
أيها الإخوة الكرام! أما حرية النعيق وحرية الصراخ ولطم الخدود وتمزيق التماثيل وحرق الصور، هذه أمور صنعها أعداؤنا لنا؛ لنفرغ فيها الشحنة، ويقع بعضنا في بعض وهم يشاهدون، فلا تغيير للواقع، أخبروني ماذا صنعت المظاهرات لأي قضية على وجه الأرض؟ وماذا حصدنا بها؟ أقول هذا احتساباً لله عز وجل، ودفعاً لشبهة زرعت في بعض الرءوس.
اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم مكن لدينك في الأرض يا رب العالمين! اللهم انصر عبادك المستضعفين في فلسطين، وانصر عبادك المستضعفين في العراق، اللهم أيدهم بنصرك يا قوي يا متين! اللهم عليك بأعداء دينك