[الحسنات الماحية]
المطهر الثالث: الحسنات الماحية، يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: (وأتبع السيئة الحسنة تمحها).
ويقول ربنا: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:١١٤].
ومن ثم شرعت الكفارات؛ لتطهر العبد من دنس المعاصي.
وقد قال بعض أهل العلم: إن جامع الرجل زوجته وهي حائض استحب له أن يكفر عن تلك المعصية بالتصدق بنصف دينار؛ لأن الصدقة تطهره من هذا الذنب، وكلما كان للذنب كفارة كانت الرحمة من الله، وهناك ذنوب عظيمة ليست لها كفارة، كاليمين الغموس، وهي الحلف بالله كاذباً ليأخذ حق أخيه، فهي ذنب عظيم ليست لها كفارة لعظمها، فإذا اختفت الكفارة فهذا يدل على أن الذنب عظيم، ومن فضل الله وكرمه علينا (أنه قد كتب الحسنات والسيئات، فمن هم بحسنة ولم يفعلها كتبت له حسنة فإذا فعلها كتبت له عشرا).
وفي الحديث الآخر: (اقرءوا القرآن فإن الله يأجركم على تلاوته).
وكل حرف بعشر حسنات، فإذا قرأت: بسم الله الرحمن الرحيم {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة:١ - ٢] فكم حسنة فيها؟ فإن أتممت البقرة فحدث ولا حرج عن أجر ربك عز وجل.
وفي الحديث الآخر: (دخل رجل على رسول الله وقال: السلام عليكم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عشر حسنات، ثم دخل آخر وقال: السلام عليكم ورحمة الله، فقال النبي: عشرون، ثم دخل الثالث فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فقال النبي: ثلاثون).
وفي الحديث الآخر: (من صلى الفجر في جماعة وجلس يذكر الله في مصلاه حتى تشرق الشمس ثم صلى ركعتين كتبت له حجة وعمرة تامة تامة تامة).
فكم نفرط في الأجر؟.
في حديث أبي هريرة في كتاب الإيمان عند البخاري يقول صلى الله عليه وسلم: (من صلى على جنازة ثم تبعها حتى يفرغ منها كتب له قيراطان، كل قيراط كجبل أحد.
فبكى أبو هريرة وقال: كم ضيعنا والله من قراريط).
وإن كان أبو هريرة ضيع قراريط فماذا ضيعنا نحن؟ والمسلمون منهم من تدخل الجنازة إلى المسجد ويظل ينتظرها خارج المسجد، لا يصلي فرضاً ولا نفلاً ولا على الجنازة، وإنما ينتظر خروجها ليتبعها، ولا يوجد شيء يمنعه أن يصلي الفرض والجنازة إلا إذا كان عنده حيض في زمن يحيض فيه بعض الرجال! نسأل الله العفو والعافية.
وجمع الحسنات يسير على من يسره الله عليه، ففي الحديث (كلمتان خفيفتان على اللسان حبيبتان إلى الرحمن ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم).
ولعل هذا الحديث هو دليل الشيخ حافظ حكمي صاحب كتاب معارج القبول على وزن العامل أو العمل أو صحائف الأعمال يوم القيامة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن مسعود: (إن قدم عبد الله أثقل يوم القيامة عند الله في الميزان من جبل أحد).
فهذا دليل على أن قدمه توضع في الميزان، فإذاً العامل يوزن.
ويقول ربنا عن المجرمين: {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف:١٠٥].
فلا يزن المجرم جناح بعوضة، فيؤتى بالرجل الطويل العريض ويوضع في الميزان فلا يزن عند الله جناح بعوضة.
ويوزن العمل، والدليل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم: (ثقيلتان في الميزان)، وصحائف الأعمال توزن بدليل حديث البطاقة، (إن الله يخرج للعبد تسعة وتسعين سجلاً، كل سجل منها مد البصر فيظن أنه قد هلك، فتخرج له بطاقة فيها لا إله إلا الله، فتوضع في كفة والسجلات في كفة، فلا يثقل مع اسم الله شيء).
وهذا معناه: أن صحائف الأعمال توزن.
فإذا فعلت ذنباً فسارع بفعل طاعة، فإن الحسنة بعشرة أمثالها، كما قال ربنا سبحانه: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ} [الأنعام:١٦٠].
يقول ابن القيم: إن الله قال: (من جاء) ولم يقل: من فعل؛ لأنه ربما يفعل الحسنة ولكنه يبددها ويحبطها قبل لقاء الله، ثم يأتي مفلساً يوم القيامة، وقد يأتي بحسنات من صيام وحج وزكاة وأمر بالمعروف، ولكنه يأتي وقد شتم هذا وأكل مال هذا وقذف عرض هذا واغتاب هذا وفتن على هذا ووقع في عرض هذا، ولابد من القصاص، فهذا يأخذ من حسناته وهذا يأخذ من حسناته، فهو مسكين، يفعل الحسنات لغيره، فهو يصلي لغيره، حتى إذا انتهت حسناته أخذ من سيئاتهم وطرحت عليه، ثم طرح في نار جهنم.
نسأل الله العافية.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم.