للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم قال ابن القيم: «قلتُ: إذا اجتمع عليه قلبُه، وصدقتْ ضرورتُه وفاقَتُه، وقوِي رجاؤُه، فلا يكاد يُرَدُّ دعاؤه».

قال ابن حَجَر (١): «كل داعٍ يستجاب له، لكن تتنوَّع الإجابة، فتارَةً تقع بعين ما دعا به، وتارَةً بعِوَضه».

١٥ عدم استعجال الإجابة:

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يُستجاب لأحدكم ما لم يُعَجِّلْ، يقول: دعوتُ، ودعوتُ فلم يُستجَبْ لي» (٢).

وفي رواية: «لا يزال يُستجاب للعبد ما لم يدعُ بإثمٍ أو قطيعةِ رحِمٍ ما لم يَستعجِل». قيل: يا رسول الله، ما الاستعجال؟ قال: «يقول: قد دعوتُ، وقد دعوتُ فلم أرَ يستجيب لي. فيستحسِر عند ذلك ويدَعُ الدعاء» (٣).

قال داود بن أبي هند: «الإجابة عند حلاوة الدعاء» (٤).

أي: عندما يستشعر العبد لذة مناجاة الله تعالى، ويجد الأنس والسعادة بالدعاء، يكرمه الله -عز وجل- بالإجابة والعطاء.

ومقام الدعاء مقام عظيم، فمن فتح الله عليه بالدعاء، فقد جمع له مفاتح الخير كلها؛ من قوة الإيمان واليقين، وحُسن الظن بربه، وأجر الدعاء وثوابه، والسلامة من القنوط واليأس والإحباط، والاستغناء عن الخلق.

ومن تأمل سير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ظهر له ذلك، فهذا إبراهيم خليل الرحمن -عليه الصلاة والسلام- صبر على الابتلاء ولازم الدعاء، ففاز بالإجابة وأعظم على ربه الثناء: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ} [إبراهيم: ٣٩].


(١) في «فتح الباري» (١١/ ٩٥).
(٢) أخرجه البخاري في الدعوات (٦٣٤٠)، ومسلم في الذكر والدعاء (٢٧٣٥/ ٩٠)، وأبو داود في الصلاة (١٤٨٤)، والترمذي في الدعوات (٣٣٨٧)، وابن ماجه في الدعاء (٣٨٥٣).
(٣) أخرجها مسلم (٢٧٣٥/ ٩٢).
(٤) أخرجه أبو نعيم في «حلية الأولياء» (٤/ ٢٧٤)، وانظر: «سير أعلام النبلاء» (٤/ ٣٤٠).

<<  <   >  >>