للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وُلد له إسماعيل وعمره (٩٠) عامًا، وولد له إسحاق وعمره (١١٢) عامًا، وكانت امرأته عقيمًا، ومع ذلك لم يستعجل -عليه السلام- الإجابة، ولم ييأس من رحمة الله تعالى ويترك الدعاء.

١٦ خفض الصوت بالدعاء.

قال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف: ٥٥]، وقال تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} [الإسراء: ١١٠].

وقال تعالى عن زكريا -عليه السلام-: {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا} [مريم: ٣].

وعن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غَزاة، فجعلنا لا نصعد شَرَفًا، ولا نعلو شرفًا، ولا نهبط واديًا إلا رفعنا أصواتنا بالتكبير، قال: فدنا منا فقال: «يا أيها الناس، ارْبَعُوا على أنفسكم؛ فإنكم لا تدْعون أصمَّ ولا غائبًا، إنما تدعون سميعًا بصيرًا، إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عُنق راحلته، يا عبدَ الله بن قيس، ألا أُعلمك كلمةً من كنوز الجنة؟ لا حول ولا قوة إلا بالله» (١).

قال الحسن البصري -رحمه الله-: «بين دعوة السر ودعوة العلانية سبعون ضعفًا، ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء، وما يُسمع لهم صوت، إن كان إلا همسًا بينهم وبين ربهم، وذلك أن الله تعالى يقول: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً}، وإن الله ذكر عبدًا صالحًا، ورضي بفعله فقال: {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا}» (٢).

قال ابن تيمية -رحمه الله-: «وفي إخفاء الدعاء فوائد عديدة: أنه أعظم إيمانًا؛ لأن صاحبه يعلم أن الله يسمع الدعاء الخفي، وأنه أعظم في الأدب والتعظيم، وأنه أبلغ في التضرع والخشوع الذي هو روح الدعاء ولُبه ومقصوده، وأنه أبلغ في الإخلاص، وأنه أبلغ في جمعية القلب على الذلة في الدعاء، فإن رفع الصوت يفرِّقه، وأنه دال على قرب صاحبه من الله، وأنه لاقترانه منه وشدة حضوره يسأله مسألة مناجاة القريب للقريب، لا مسألة نداء البعيد للبعيد، وأنه أدعى بدوام الطلب والسؤال، فإن اللسان لا يمل والجوارح لا


(١) أخرجه البخاري في الجهاد والسير (٢٩٩٢)، وفي القدر (٦٦١٠)، ومسلم في الذكر (٢٧٠٤)، وأبو داود في الصلاة (١٥٢٦ - ١٥٢٨)، والترمذي في الدعوات (٣٣٧٤).
(٢) انظر: «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (١٥/ ١٥)، و «بدائع الفوائد» (٣/ ٦).

<<  <   >  >>