للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والله ما لك غير الله من أحد … فحسبك الله في كلٍّ لك اللهُ

سابعًا: ينبغي أن يتأسى المصاب ويتسلى بأحوال السلف عند المصائب وما هم عليه من قوة الصبر، والتسليم لقضاء الله وقدره، والرضا به.

والأخبار عنهم في هذا مستفيضة، فقد رُوي أن أبا ذر -رضي الله عنه- كان لا يعيش له ولد، فقيل له في ذلك، فقال: «الحمد لله الذي يأخذهم في دار الفناء، ويدخرهم في دار البقاء» (١).

ولما حضرت بلالًا -رضي الله عنه- الوفاةُ أنشأ يقول: «غدًا نَلقى الأحبَّهْ؛ محمدًا وحزبَهْ»، فقالت امرأته: «واويلاه!». فقال: «وافرحاه!» (٢).

وقد روي أن عروة بن الزبير -رضي الله عنه- وقعت في رجله الآكلة، فقطعها من الساق، ولم يمسكه أحد وهو شيخ كبير، ولم يدَعْ وِرْده تلك الليلة، ومات أحد أبنائه، فقال -رحمه الله-: «اللهم إن كنت ابتليت فقد عافيت، وإن كنت أخذت فقد أبقيت، أخذت عضوًا وأبقيت أعضاءً، وأخذت ابنًا وأبقيت أبناءً»، وتمثل بهذه الأبيات:

لعمري ما أهويت كفي لريبة … ولا نقلتني نحو فاحشة رِجْلِي

ولا قادني سمعي ولا بصري لها … ولا دلني رأيي عليها ولا عقْلِي

وأعلم أني لم تصبني مصيبة … من الدهر إلا قد أصابت فتًى مثْلِي (٣)

ولما مات عبد الملك بن عمر بن عبدالعزيز -رحمه الله- قال عمر: «الحمد لله الذي جعلك في ميزاني، ولم يجعلني في ميزانك، رضينا بقضاء الله، وسلمنا لأمر الله، والحمد لله رب العالمين، وإنا لله وإنا إليه راجعون».

ومات ولد لعقبة اسمه يحيى، فلما أنزله في قبره قيل له: «والله لقد كان نعم القائد للجيش! فاحتسِبْه. فقال: وما لي لا أحتسبه وقد كان من زينة الحياة الدنيا، وهو اليوم من الباقيات الصالحات».


(١) أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» ١٩/ ٢١٢ (٣٥٨٣٢)، والطبراني في «الكبير» ٢/ ١٥٠ (١٦٢٩)، وأبو نعيم في «الحلية» (١/ ١٦٠).
(٢) أخرجه ابن أبي الدنيا في «المحتضرين» (٢٩٤)، وانظر: «سير أعلام النبلاء» (١/ ٣٥٩).
(٣) انظر: «الكبائر» للذهبي ص (١٩٢)، «تاريخ دمشق» لابن عساكر (٥٩/ ٤٢٩).

<<  <   >  >>