للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقيل لرجل: كم لك من الولد؟ فقال: تسعة، فقيل له: نحن لا نعرف لك إلا ولدًا واحدًا. فقال: «الحمد لله كان لي عشرة من الولد فقدمت تسعة أحتسبتهم عند الباري -جل وعلا-، وبقي واحد، لا أدري هل أنا له، أم هو لي؟».

وقال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- لمصابٍ: «إنك إن صبرت جرَتْ عليك المقادير؛ وأنت مأجور، وإن جزِعْت جرَتْ عليك المقادير؛ وأنت مأزور» (١).

وروي في «مناقب الشافعي» للبيهقي (٢): أن عبد الرحمن بن مهدي مات له ولد فجزع عليه جزعًا شديدًا؛ حتى امتنع من الطعام والشراب. فبلغ ذلك الشافعيَّ، فكتب إليه: أما بعد، فعزِّ نفسك بما تعزي غيرك، واستقبح من فعلك ما تستقبحه من فعل غيرك، واعلم أن أمضَّ المصائب فَقْدُ سرور وحرمان أجر، فكيف إذا اجتمعا مع اكتساب وزرٍ؟! ألهمك الله عند المصائب صبرًا، وأجزل لنا ولك بالصبر أجرًا. وكتب إليه:

إني معزِّيكَ لا أني على ثقة … من الخلود ولكن سُنة الدِّينِ

فما المعزَّى بباق بعد ميتهِ … ولا المعزِّي وإن عاشا إلى حينِ

ويشاء الله أن يموت بعدها ابن للشافعي -رحمه الله- الذي كان يعزِّي أصبح يعزَّى، فتمثل بهذا البيت:

ما الدهر إلا هكذا فاصطبر له … رزية مال أو فراق حبيبِ

ولما قتل أبناء الخنساء الأربعة في معركة القادسية وجاءها الخبر ما زادت على أن قالت: «الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته» (٣)، وهي التي كادت تهلك جزعًا لما مات أخوها صخر في الجاهلية؛ حيث تقول:

يذكرني طلوع الشمس صخرًا … وأذكره لكل غروب شمسِ

ولولا كثرة الباكين حولي … على إخوانهم لقتلت نفسِي


(١) أخرجه ابن المقرئ في «معجمه» (٣٦٩) عن الفريابي.
(٢) (٢/ ٩٠ - ٩١).
(٣) انظر: «الاستيعاب في معرفة الصحاب» (٤/ ١٨٢٩) وما بعدها، «شرح ديوان الحماسة» (٢/ ٢٧٨)، «خزانة الأدب» (١/ ٤٣٨).

<<  <   >  >>