للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عبده ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وأن الجنة حق، وأن النار حق {وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [الحج: ٧]، وأوصى من تركه من أهله أن يتقوا الله، ويصلحوا ذات بينهم، ويطيعوا الله ورسوله إن كانوا مؤمنين، وأوصاهم بما أوصى إبراهيم بنيه ويعقوب: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة: ١٣٢]» (١).

وأخيرًا، وعودًا على بدء أقول: إن من الاستعداد للقاء الله والدار الآخرة- مع ما سبق ذكره- أن يكون الإنسان كلما تقدم به العمر أكثر تنظيمًا لأحواله وتفرغًا لعبادة ربه، فإن الله -عز وجل- في هذه السورة العظيمة سورة النصر آذن رسوله -صلى الله عليه وسلم- بقرب وفاته، وبانتهاء مهمته في هذه الحياة، وأمره بالتوجه إلى الله والتفرغ لتسبيح الله وحمده واستغفاره، كما قال تعالى في سورة الانشراح: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (٧) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الانشراح: ٧، ٨].

ولن يتيسر ذلك للإنسان إلا إذا اكتفى من التعلق بالدنيا بما تدعو الحاجة إليه، وهو نصيبه من الدنيا، كما قال تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص: ٧٧].

وأنت- أخي المسلم- أحد رجلين: إما منعَّم موسع عليه في رزقه، وإما مبتلى مضيَّق عليه في ذلك، كما ذكر الله -عز وجل- (٢).

فإن كنت ممن ابتُلي بضيق الحال، وقلة ذات اليد، وتحتاج إلى الكد والعمل الساعات الطويلة للسعي في طلب الرزق، لإعفاف نفسك وأهل بيتك، مما لا تستطيع معه التفرغ للعبادة، فالزم أداء الفرائض واجتناب النواهي مع القيام بما قدرت عليه من النوافل، وأبشر بالخير فإنك مثاب مأجور على طلب الرزق لإعفاف نفسك بإذن الله -عز وجل-؛ فإن السعي لطلب الرزق من طاعة الله تعالى وعبادته. فإن الإنسان يؤجر حتى على ما يجعل


(١) أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» ٩/ ٥٣ (١٦٣١٩)، وسعيد بن منصور في «سننه» ١/ ١٢٦ (٣٢٦)، والدارقطني في «سننه» (٤/ ١٥٤)، والبيهقي (٦/ ٢٨٧). وصححه الألباني في «الإرواء» (١٦٤٧).
(٢) في قوله تعالى: {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (١٥) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} [الفجر: ١٥ - ١٦].

<<  <   >  >>