وله أشعار كثيرة. وكانت له في مجالس الوعظ أجوبة نادرة، من ذلك ما يحكي أنه وقع النزاع ببغداد بين السنية والشيعية في المفاضلة بين أبي بكر وعلي - رضي الله تعالى عنهما - فرضي الكل بما يجيب عنه الشيخ أبو الفرج، وأقاما شخصاً سأله عن ذلك وهو على الكرسي في مجلس وعظه فقال: أفضلهما من كانت ابنته تحته ونزل في الحال حتى لا يراجع في ذلك، فقالت السنية: هو أبو بكر - رضي الله تعالى عنه - لأن ابنته عائشة تحت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وقالت الشعية: هو علي، لان فاطمة ابنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - تحته، وقال: وقال ابن خلكان: وهذا من لطائف الأجوبة، ولو حصل بعد الفكر التام وإمعان النظر كان في غاية الحسن فضلاًعن البديهة. انتهى. قلت: ومن نوادره ما سمعت من بعض أهل العلم: يحكى أن الخليفة غضب على إنسان من حاشيته، فأراد أن يعاقبه، فهرب فلزم أخاه، وصادره وأخذ له مالاً، فشكى ذلك المصادر إلى ابن الجوزي، وذكر له القضية فقال له: إذا انقضى مجلس وعظي فقم قدامي حتى تذكرني - وكان الخليفة يسمع وعظه من خلف الستر - كما تقدم فلما كان أول مجالسته الوعظ بعد ذلك - وانقضى المجلس - قام ذلك الإنسان المصادر، فلما رآه الشيخ أبو الفرج أنشد معرضاً يكون البريء، لا يؤاخذ بذنب الجزىء، محرضاً للخليفة على العدل والإحسان، وأن يعاد المال المأخوذ على ذلك الإنسان.
قفي ثم اخبرينا يا سعاد ... بذنب الطرف لم سلب الفؤاد؟
وأي قضتة حكمت إذا ماجنى زيدبه عمرو يقاد؟!
يعاد حديثكم فيزيد حسناً ... وقد يستحسن الشيء المعاد
فقال الخليفة من وراء الستر: يعاد، يعني: المال، فأعيد على ذلك الشخص ماله وانجبر حاله. قلت: وكلام ابن الجوزي، وإن افتخر، فهو بالنسبة إلى كلام القطب عبد القادر محقر، ولو سلم من طعنه وإنكاره على المشايخ علماء الباطن لبقي مكتسباً يحلل الحاسن. وقد قدمت ذكر ذلك الإنكار وأنشدت في الفرق بين الكلام أبياتاً من الأشعار، ذكرت ذلك في تاريخ سنة خمس وتسعين وخمس مائة التي أخرج فيها من السجن، وفي سنة إحدى وستين التي فيها ترجمة الشيخ عبد القادر رضي الله تعالى عنه. وكانت ولادة ابن الجوزي سنة ثمان، وقيل عشر وخمس مائة تقريباً، وتوفي ليلة الجمعة ثاني عشر شهر رمضان ببغداد بباب حرب. والجوزي بفتح الجيم وسكون الواو وفي آخره زاي وياء النسبة - إلى موضع يقال له فرضة