المعروف بابن المشطوب كتب إلى الملك الناصر صلاح الدين يخبره بولادة امرأة عمه عماد الدين، وإن عنده امرأة أخرى ذكر أنها حامل، فكتب القاضي الفاضل جوابه وصل كتاب الأمير دالاً على الخبر بالولدين، الحامل على التوفيق، والسايل كتب الله سلامته في الطريق فسررنا بالغرة الطالعة من لثامها، وتوقعنا المسرة بالثمرة الباقية في أكمامها قالت: رأيت بخط القاضي الفاضل ورد الخبر بوفاة الأمير سيف الدين المشطوب، أمير الأكراد وكبيرهم سبحان الحي الذي لا يموت ويهدم به بنيان قوم والدهر قاض ما عليه لوم.
قال ابن خلكان: هذا الكلام حل فيه بيت الحماسة:
فما كان قيس هلكه هلك واحد ... ولكنه بنيان قوم تهدما
قال: وهذا البيت من جملة مرثية، رثي بها قيس بن عاصم التميمي الذي قدم من البادية على النبي صلى الله عليه واله وسلم في وفد تميم في سنة تسع من الهجرة، وأسلم، وقال صلى الله عليه واله وسلم في حقه: هذا سيد أهل الوبر لما وكان عاقلاً مشهوراً بالحلم والسؤدد، وهو أول من وأد البنات في الجاهلية للغيرة والأنفة من النكاح، وتبعه الناس في ذلك إلى أن أبطله الإسلام، وقد قدمت ذكر ذلك، ومن جملة المرثية المذكورة:
عليك سلام الله قيس بن عاصم ... ورحمته ما شاء أن يترحما
تحية من غادرته غرض الردى ... إذا زار عن سخط بلادك سلما
فما كان قيس هلكه هلك واحد ... ولكنه بنيان قوم تهدما
قلت: وقوله: عليك سلام الله إن صح سماعه أو اسماعه ممن يقتدي به، فهو شاهد، بجواز قول كثير من الناس في مكاتباتهم سلام الله ورحمته وبركاته على فلان ابن فلان، إلا ففي جواز ذلك نظر، والله أعلم أعني كونه قال: سلام الله عليك، فجعل السلام عليه من الله تعالى، ولم يقل: مني وليس لجواز هذا شاهد يعتمد عليه.
وقد اختلف العلماء في: هل يقال لغير الأنبياء عليه السلام؟ فجوزه بعضهم، ومنع، الأكثرون فما علمت، وقالوا: حكمه حكم الصلاة والذي أراه أنه يفرق بينه وبين الصلاة بين الترضي والصلاة مخصوصة على المذهب الصحيح بالأنبياء والملائكة، والترضي خصوص بالصحابة والأولياء والعلماء أعني في الأدب، والترحم لمن دونهم، والعفو