للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والمملوك مع ذلك يدافع الأيام ويزخيها، ويعلل المعيشة ويرجيها متلفعاً بالقناعة والعفاف، مشتملاً بالنزاهة والكفاف، غير راضي بذلك الشمل، ولكن مادة أقول لايطل قد ألزم نفسه أن يستعمل طرفًا طماحًا، وأن يركب طرفًا جماحًا، وأن يلحف بيض طمع جناحًا، وأن يستقدح زهدًا وارياً وشاحًا.

وأدبني الزمان فلا أبالي ... هجرت فلا أزار ولا أزور

ولست بسائل ما عشت يومًا ... أسار الجندام ركب الأمير

ولقد ندب المملوك أيام الشباب بهذه الأبيات، وما أقل عنا الباكي عد في الرفات.

تنكر لي مذ شبت دهري وأصبحت ... معارفه عندي من النكرات

إذا ذكرتها النفس حنت صبابة ... وجاد شؤون العين بالعبرات

إلى أن أتى دهر يحسن ما مضى ... ويوسعني تذكاره حسرات

قلت: وهذا البيت الأخير يشفي من منهل القائل الذي بهذا المعنى يشير.

رب دهر بكيت منه ... فلما صرت في غيره بكيت عليه

وهذا ما اقتصرت عليه من رسالته الطويلة الجليلة الفائقة الجميلة المؤذنة له بتمام البلاغة والفضيلة، وهو نحو من ربعها، وهو لعمري فيما يستحقه من النعوت. من نفيس الجواهر كاسمه ياقوت، توفي رحمه الله تعالى في شهر رمضان بظاهر مدينة حلب، وكان قد وقف كتبه، ولما تميز سمى نفسه يعقوب.

وفيها توفي الملك المسعود ابن الملك الكامل بمكة المشرفة، وكان قد سيره جده الملك العادل إلى اليمن، فملكها وبلاد الحجاز مضافة إليها، ولما حضرته الوفاة وصى أنه إذا مات لا يجهز بشيء من ماله، يسلم إلى الشيخ الصديق يجهزه عنده بما يرى، وكان من كبار الصالحين من أكراد بلد إربل مجاورًا بمكة، ولما مات الملك المسعود تولى تجهيزه وكفنه في إزار، كان قد أحرم فيه بالحج والعمرة سنين عديدة، وجهزه تجهيز الفقراء

<<  <  ج: ص:  >  >>