والسلوك، والمحبة، والمعارف، والشوق، والوصل، وغير ذلك من الاصلاحات في العلوم الحقيقة المعروفة في كتب المشائخ الصوفية، بلغني أنه دخل في أيام بدايته مدرسة في ديار مصر، فوجد فيها شيخاً بقالاً يتوضأ من بركة فيها بغير ترتيب، فقال له: يا شيخ أنت في هذا السن وفي هذا البلد، وما تعرف تتوضأ؟ فقال له: يا عمر أنت ما يفتح عليك بمصر، فجاء إليه وجلس بين يديه وقال له: يا سيدي، ففي أقي مكان يفتح علي. فقال: في مكة، فقال يا سيدي، وابن مكة مني، فقال: هذه مكة، وأشار بيده نحوها، وكشف له عنها، فأمره الشيخ الذهاب إليها في ذلك الوقت، فوصل إليها في الحال، وأقام بها اثنتي عشرة سنة، ففتح عليه، ونظم فيها ديوانه المشهور، ثم بعد المدة المذكورة سمع الشيخ المذكور ويقول له: يا عمر تعال أحضر موتي، فجاء إليه، فقال له الشيخ: خذ هذا الدينار، فجهز لي به ثم احملني، فضعني في هذا المكان، وانتظر ما يكون من أمري، وأشار إلى مكان في القرافة تحت الفارض، وهو الموضع الذي دفن فيه ابن الفارض، قال: فكشف لي عن ذلك المكان، فحملته ووضعت فيه، فنزل رجل من الهوى، فصلينا عليه، ثم وقفنا ننتظر ما يكون من أمره، فإذا الجو قد امتلأ بطيور خضر، فجاء طائر كبير، فابتلعه، ثم طار، قال: فتعجبت من ذلك، فقال لي ذلك الرجل: لا تعجب من هذا فإن أرواح الشهداء في حواصل طيور خضر ترعى في الجنة، كما جاء في الحديث أولئك شهداء السيوف، وأما شهداء المحبة، فأجسادهم أرواح رضي الله عن الجميع.
قلت: وإلى هذا المعنى أشرت في هذه الأبيات من قصيدتي الموسومة بلباب اللب في مدح شهيد الحب حيث قلت:
قتيل الهوى في مذهب الحب والفقر ... بلا عوض حاشاه من طلب الأجر
سوى روية المحبوب في حالة اللقا ... إذا ما قيتل السيف عوض في الحشر
فشتان ما بين المقامين في العلى ... وبين شهيد الحب والسيف في القدر
فما طالب المولى له طال شوقه ... وفي حبه قد مات خال عن الصبر