للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاعتقاد، معاشر الأرباب الفضائل، حازماً في أموره لا يضع الشيء إلآ في محله من غير إسراف ولا اقتتار، وكان يبيت عنده كل ليلة جمعة جماعة من الفضلاء ويشاركهم في مباحثات، ويسألهم عن المواضع المشكلات من كل فن، وهو معهم كواحد منهم وبنى بالقاهرة دار حديث، ورتب لها وقفًا جيدًا، وكان قد بنى على ضريح الإمام الشافعي رحمه الله تعالى قبة عظيمة، ودفن أمه عنده، وأجرى إليها من ماء النيل، ومدده بعيد، وغرم على ذلك جملة عظيمة.

ولما مات أخوه الملك المعظم عيسى الملقب بشرف الدين صاحب الشام وأقام ولده الملك الناصر صلاح الدين داود مقامه، خرج الملك الكامل من الديار المصرية قاصدًا أخذ دمشق منه، وجاء أخوه الملك الأشرف مظفر الدين موسى، فاجتمعا على أخذ دمشق وقد تقدم ذكر ذلك وأنه دفعها إلى أخيه الملك الأشرف، وأخذ عوضها من بلد المشرق عدة بلدان تقدم ذكرها وتقدم أيضاً أنه لما مات الملك الأشرف جعل ولي عهده أخاه الملك الصالح إسماعيل فقصده الملك الكامل، وانتزع منه دمشق بعد مصالحة جرت بينهما.

ولما ملك الملك الكامل البلاد الشرقية، واستخلف بها ولده الملك الصالح أبا المظفر أيوب، واستخلف ولده الأصغر الملك العادل بالديار المصرية، وكان قد سير الملك العادل الملك المسعود إلى اليمن، وكان أكبر أولاد الملك الكامل، وقد تقدم ذلك وأنه ملك الحجاز مضافة إلى اليمن.

ولما وصل الخطيب إلى ذكر الكامل قال: صاحب مكة وعبيدها، واليمن وزبيدها، ومصر وصعيدها، والشام وصناديدها، والجزيرة ووليدها، سلطان القبلتين، ورب العا متين، وخادم الحرمين الشريفين، أبو المعالي محمد الملك الكامل ناصر الدين خليل أمير المؤمنين. قال ابن خلكان: ولد رأيته بدمشق في سنة ثلاث وثلاثين وست مائة عند رجوعه من بلاد الشرق، وفي خدمته يومئذ بضعة عشر ملكاًمنهم أخوه الملك الأشرف. ولم يزل في علوشأنه وعظم سلطانه إلى أن مرض بعد أخذ دمشق، ولم يزل مريضًا إلى أن توفي يوم الأربعاء بعد العصر، ودفن في القلعة بمدينة دمشق يوم الخميس الثاني والعشرين من رجب السنة المذكورة.

قال: وكانوا قد أخفوا موته إلى وقت صلاة الجمعة، فلما دنت الصلاة قام بعض الدعاة على العرش الذي بين يدي المنبر، فترحم علىالملك الكامل، ودعا لولده الملك العادل ابن الملك الكامل صاحب مصر، فضج الناس ضجة واحدة، وكانوا قد أحسوا

<<  <  ج: ص:  >  >>