للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مع والده إلى الموصل، وبها اشتغل، وحصل العلوم، وحفظ كتاب الله الكريم، وكثيراً من الأحاديث النبوية، وطرفًا صالحًا من النحو واللغة وعلم البيان، وشيئًا كثيرًا من الأشعار وكان من جملة محفوظاته شعر أبي تمام والبحتري والمتنبي، قال: حفظت هذه الدواوين الثلاثة، وكنت أكرر عليها بالدرس مدة سنين، حتى تمكنت من صوغ المعاني، وصار الإدمان لي خلقًا وطبعاً وقد كنت حفظت من الأشعار القديمة والمحدثة ما لا أحصي، ثم اقتصرت عليه على أشعار الثلاثة المذكورين.

قال ابن خلكان: ولما كملت له الأدوات قصد جناب الملك الناصر صلاح الدين وكان يومئذ شاباً، فاستوزره ولده الملك الأفضل، وحسنت حاله عنده.

ولما توفي السلطان صلاح الدين، واستقل ولده المذكور بمملكة دمشق، اشتغل ابن الأثير بالوزارة وردت إليه أمور الناس، وصار الاعتماد في جميع الأحوال عليه، ولما أخذت دمشق من الملك الأفضل، وكان ابن الأثير قد أساء العشيرة مع أهلها، فهموا بقتله، فأخرجه الحاجب محاسن مستخفيًا في صندوق مقفل عليه، ثم صار إليه، وصحبه إلى مصر لما استدعي لنيابة أخيه الملك المنصور.

ولما أخذ الملك العادل الديار المصرية، خرج ابن الأثير منها مستترًا وله في كيفية خروجه رسالة طويلة، شرح فيها حاله، ولما استقر الملك الأفضل غاب عن مخدومه الملك الأفضل، ثم بعد ذلك اتصل بخدمة أخيه الملك الظاهر صاحب حلب، فلم يطل مقامه عنده، وخرج مغاضبًا، وعاد إلى الموصل، فلم يستقم حاله، فورد إربل، فلم يستقم حاله فسافر إلى سنجار، ثم عاد إلى الموصل، واتخذها دار إقامته إلى أن توفي، وله من التصانيف الدالة على غزارة فضله، كتابه المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، وهو في مجلدين، جمع فيه فأوعب، ولم يترك شيئًا يتعلق بفن الكتابة إلا ذكره، وكتاب الوشي المرقوم في حل المنظوم، وهو مع وجازته في غاية الحسن والإفادة وكتاب المعاني المخترعة في صناعة الإنشاء، وهو أيضاً نهاية في بابه، وله مجموع أخبار فيه شعر أبي تمام والبحتري وديك الجن والمتنبي في مجلد واحد كبير، وحفظه مفيد.

قال ابن المستوفي: نقلت من خطه، في آخر هذا الكتاب ما مثاله:.

تمتع به علقًا نفيسًا فإنه ... اختيار بصير بالأمور حكيم

أطاعته أنواع البلاغة فاعتدى ... إلى الشعر من نهج إليه قويم

وله ديوان شعر ترسل في عدة مجلدات، والمختار منه في مجلد واحد.

<<  <  ج: ص:  >  >>