للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا الغانيات البيض يومًاتفاخرت ... بألوانها، فاحكم فأنت خبير

فأبيضهاسلطانها، ثم أصفر ... لسلطانها يتلو علاه وزير

وإن رام تقليد الإمارة أهلها ... فأسمرها الميمون ذاك أمير

وأحمرها جندلها قل وسايس ... لها أسود دون الجميع حقير

فإن قيل: لم فضلت للبيض رافعًا ... ولم قلت ماللبيض قط نظير؟

فقل ذا لأن الحور بيض لها كسا ... بأحسن ألوان الجمال قدير

وأيضًافلون البيض باهج حسنة ... يحاكيه بدر في السماء منير

رجعنا إلى ذكر ابن المستوفي، وأرسل إلى شاعر وصل إلى إربل دنياراً مثلوماً مع إنسان يقال له: الكمال، فتوهم الشاعر أن الملك قد فرض قطعة من الدينار، فقصد استعلام الحال من أبي البركات المذكور، فكتب إليه:

ياأيها المولى الوزير ومن به ... في الجود حقًا يضرب الأمثال

أرسلت بدر التم عند كماله ... حسنًا فوافى العبد، وهو هلال

ما غاله النقصان إلا أنه ... بلغ الكمال، كذلك الآجال

فأعجبه هذا المعنى وحسن الاتفاق، فأجاز الشاعر، وأحسن إليه. وكان مستوفي الديوان، وهي منزلة عليه في تلك البلاد تتلو الوزارة، ثم تولى الوزارة بعد ذلك، وشكرت سيرته فيها، ولم يزل عليها إلى أن مات السلطان مظفر الدين، فقعد في بيته في تلك البلاد والناس يلازمون خدمته، وكان عنده من الكتب النفيسة شيء كثير، ثم توفي بالموصل.

قال ابن خلكان: وهو من بيت كبير، وأبوه تولى الاستيفاء بإربل، وعمه أبو الحسن، كان فاضلاً، وهو الذي نقل نصيحة الملوك تصنيف الإمام حجة الإسلام أبي حامد الغزالي من اللغة الفارسية إلى اللغة العربية، فإن الغزالي لم يضعها إلا بالفارسية، وذلك مشهور بين الناس، ولما توفي رثاه يوسف بن القيس الإربلي بقوله:

أبو البركات لو درت المنايا ... بأنك فرد عصرك لم تصبكا

كفى الإسلام رزأ فقد شخص ... عليه بأعين الثقلين يبكى

وفيها توفي أبو الفتح نصر الله بن أبي الكرم، الملقب ضياء الدين محمد بن محمد بن عبد الكريم الشيباني، المعروف بابن الأثير الجزري، العلامة الكاتب البليغ صاحب المثل السائر، انتهت إليه رياسة الإنشاء أتترسل، وكان مولده بجزيرة ابن عمر، ونشأ بها، وانتقل

<<  <  ج: ص:  >  >>