للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشهرزوري المعروف بابن الصلاح كان أحد فضلاء عصره في التفسير والحديث والفقه، وأسماء الرجال، وما يتعلق بعلم الحديث، ونقل اللغة، وكانت له مشاركة في فنون عديدة. قال ابن خلكان: وهو أحد أشياخي الذين انتفعت بهم. قال: كانت فتاواه مسددة قال: بلغني أنه درس جميع كتاب المهذب قبل أن يطلع شاربه، قرأ على والده الصلاح، وكان من جلة مشائخ الأكراد المشار إليهم، ثم نقل والده إلى الموصل واشتغل بها مدة، وتولى فيها الإعادة عند الشيخ العلامة عماد الدين أبي حامد بن يونس، وأقام قليلاً، ثم سافر إلى خراسان وأقام بها زمانًا وحصل علم الحديث هناك، ثم رجع إلى الشام، وتولى بالتدريس المدرسة الناصرية المنسوبة إلى صلاح الدين بالقدس، وأقام بها مدة، واشتغل الناس عليه وانتفعوا به، ثم انتقل إلى دمشق وتولى تدريس الرواحية التي أنشأها الزكي أبو القاسم هبة الله ابن عبد الواحد بن رواحة الحموي، ولما بنى الملك الأشرف ابن الملك العادل دار الحديث بدمشق فوض تدريسها إليه. اشتغل الناس عليه بالحديث فيها ثلاث عشر سنة، وتولى تدريس مدرسة ست الشام زمرد خاتون ابنة أيوب، وهي شقيقة شمس الدولة، وهي التي بنت المدرسة الأخرى ظاهر دمشق، وبها قبرها وقبر أخيها المذكور، وزوجها ناصر الدين صاحب حمص، وكان ابن الصلاح يقوم بوظائف الجهات الثلاث من غير إخلال بشيء منها إلا لعذر ضروري لا بد منه، وكان من العلم والدين على قدم حسن.

قال ابن خلكان: وأقمت عنده بدمشق ملازم الاشتغال مدة سنة وصنف في علوم الحديث كتاباً نافعًا مبسوطاً، وكذلك في مناسك الحج جمع فيه أشياء حسنة يحتاج إليها وله اشكالات على كتاب الوسيط في الفقه، وله طبقات الشافعية اختصره الشيخ محيي الدين النواوي، واستدرك عليه جماعة، ومن مشاهير شيوخه الفخر ابن عساكر، وزير الأمناء، ومؤيد الطوسي، وابن سكينة وطبرزد وزينب الشعرية وغيرهم، وممن تفقه عليه وروى عنه الشيخ شهاب الدين أبو أسامة، والإمام تقي الدين ابن رزين قاضي الديار المصرية، والعلامة شمس الدين ابن خلكان قاضي البلاد الشامية، والكمال ارسلان والكمال إسحاق الشيرازي شيخ النواوي، وآخرون إلى أن توفي، فشهد جنازته جم غفير وعدد كثير في الجامع، وحمل على الرؤوس انتهى، وجمع بعض أصحابه فتاواه في مجلد فلم يزل أمره جاريًا على سداد وصلاح حال واجتهاد في الاشتغال بما ذكرنا وبالنحو إلى أن توفي بدمشق في ربيع الآخر من السنة المذكور، ودفن في مقابر الصوفية خارج باب االنصر ومولده سنة سبع وسبعين وخمس مائة.

وذكر غيره أنه بعد اقامته بالموصل دخل بغداد وطاف البلاد، وسمع من خلق كثير

<<  <  ج: ص:  >  >>