وجم غفير ببغداد، وهمدان، ونيسابور، ومرو، وحران، وغير ذلك، ودخل الشام مرتين، قال: وكان إمامأ بارعاً حجة متبحرًا في العلوم الدينية بصيرًا بالمذهب وأصوله وفروعه، له يد طولى في العربية والحديث، والتفسير مع عبادة، وتهجد، وورع، ونسك، وتعبد، وملازمة للخير على طريقة السلف في الاعتقاد، وله آراء رشيدة، وفتاوى سديدة، ماعدا فتياه الثانية في استحباب صلاة الرغائب، وله اشكالات على الوسيط ومؤاخذات حسنة، وفوائد جمة، وتعاليق حسنة، وعلوم الحديث الذي اقتنصه من علوم الحديث للحاكم وزاد عليه.
وفيها توفي الإمام العلامة علم الدين أبو الحسن علي بن محمد السخاوي الهمداني المقرىء، أتقن علم القراءات على الإمام المقرىء المحقق أبي محمد القاسم الشاطبي المشهور بمصر، ثم انتقل إلى دمشق، وتقدم بها على علماء فنونه، وكان للناس فيه اعتقاد عظيم، وشرح المفصل للزمخشري في أربع مجلدات، وشرح الشاطبية للإمام المذكور، وكان قد قرأها عليه، وله خطب وأشعار، وكان متعينًا في وقته.
قال ابن خلكان: ورأيته بدمشق والناس يزدحمون عليه في الجامع لأجل القراءة، ولا يصح لواحد منهم نوبة إلا بعد زمان، ورأيته مرارًا ما يركب بهيمة وهو يصعد إلى جبل الصالحين، وحوله اثنان أو ثلاثة، وكل واحد يقرأ وظيفته في موضع غير موضع الآخر، والكل في دفعة واحدة، وهو يرد على الجميع. ولم يزل مواظبًا على وظيفته إلى أن توفي بدمشق في السنة المذكورة، وقد نيف على التسعين ولما حضرته الوفاة أنشد لنفسه:
قالوا: غدًا يأتي ديار الحمى ... وينزل الركب بمغناهم
وكل من كان مطيعًا لهم ... أصبح مسروراً بلقياهم
قلت: فلي ذنبي فماحيلتي ... بأي وجه أتلقاهم
قالوا: أليس العفو من شأنهم ... لا سيما ممن يرجاهم
وفيها توفي الحافظ الكبير محب الدين أبو عبد الله محمد بن محمود بن الحسن البغدادي المعروف بابن النجار صاحب تاريخ بغداد ولد سنة ثمان وسبعين وخمس مائة، ورحل إلى أصفهان، وخرسان، والشام، ومصر، وسمع من جماعة، وكتب شيئًا كثيرًا، وكان ثقة متقناً واسع الحفظ تام المعرفة.
وفيها توفي المنتجب بن أبي العز بن رشيد أهمداني المقرئ نزيل دمشق، قرأ