فرغ كلامهم، فقالوا: يا سيدي نريدأن نسمع منك، فقال: أنتم سادات الوقت وكبراؤه، وقد تكلمتم، فقالوا: لا بد أن نسمع منك. قال: فسكت الشيخ ساعة، ثم تكلم بالأسرار العجيبة، والعلوم الجليلة، فقال الشيخ عز الدين وقد خرج من صدر الخيمة، وفارق موضعه: اسمعوا هذا الكلام الغريب القريب العهد من الله تعالى. انتهى.
قلت: اسمع أنت أيها الواقف على هذا الكتاب كلام هذا الإمام الهمام علم العلماء الأعلام، العارف بالله رفيع المقام عز الدين بن عبد السلام وكلام السادة المذكورين الأولياء المشكورين، والعلماء المشهورين في تعظيمهم الشيخ أبا الحسن، ومدحهم له، وثنائهم عليه، واشاراتهم إليه، وكلام الحشوية في إنكارهم عليه وطعنهم فيه.
وقول بعض أهل الشام في تاريخه: الشيخ أبو الحسن الشاذلي علي بن عبد الله بن عبد الجبار المغربي الزاهد، شيخ الطائفة الشاذلية، سكن الاسكندرية، وصحبه بها جماعة، وله عبارات في التصوف مشكلة يوهم ويتكلف له في الاعتذار عنها فهل ترجمته هذه مدح له؟ كلا، بل هي في الحقيقة قدح فيه، وغض من جميل صفاته، وخفض لعلومنزلته، ورفيع درجاته، وانتقاص لعظم شرف جلالة قدره، وانزال ما على الثريا من علا معالي فخره في تخوم ثرى أرض سماء عليا فضله. كم هي عادته في وضع أوصاف الأكابر مثله في الشيوخ الصوفية العارفين بالله أولى النور الزاهر؟ واجلال العلماء الأعلام من الأئمة الأشعرية المحققين أهل الحق الظاهر، ورفع أوصاف الأئمة الحشوية الحامدين على الظواهر، ولا يصح الاعتذار عنه يكون كتابه الذي ذكر في ترجمة الشيخ المذكور مختصر الوجهين. أحدهما أنه قد أطنب فيه بمدح كثيرين، ورفع أوصافهم ممن ذكرت والثاني أنه يمكن مع اختصار الكلام التفخيم في الوصف بذكر بعض المناقب العظام ألا ترى إلى وصفه الشيخ المذكور بقوله: الزاهد وكذلك يفعل في غيره من أكابر الصديقين والمقربين والأئمة الهداة العارفين ينابيع الأسرار ومطالع الأنوار كسيدي أحمد بن الرفاعي وغيره من أئمة العارفين السادة يقتصر في مدح الواحد منهم على الزهد الذي هو مبادىء سلوك أهل الإرادة فهلا أبدل لفظ الزاهد بالعارف، أو الإمام، أو المرشد، أو المربي، أو الرباني أو المقرب، أو الصفوة وما أشبه ذلك، وما المانع من زيادة ألفاظ يسيرة؟ مثل الشيخ العارف بحر المعارف، أو إمام الطريقة ولسان الحقيقة وأستاذالأكابر الجامع بين علمي الباطن والظاهر، أو نحو ذلك من الألفاظ اليسيرة المتضمنة لقطرة من بحر فضائلهم الشهيرة.
وكذلك قوله في عباراته: إنها توهم وإنه يتكلف له في الاعتذار عنها أين قوله هذا من قول الإمام المتفق على الإجلال له، والاعظام وجلالة مناقبه العظام عز الدين بن عبد السلام المتقدم ذكره لما تكلم الشيخ أبو الحسن، وكشف الخمار عن محاسن المعارف والأسرار؟