للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعني يعلم الجليس السر المودع في القول الجاري على لسان الغائب بواسطة الهوى المشار إليه بالكلام، فالضمير في منه يعود إلى الهوى، والمعنى أن الله تعالى يجري على لسانه كلاماً في حال غيبته بما يريده الله تعالى يسمعه الجليس ليس باختيار من الشخص المذكور.

ومن ذلك قول أبي القاسم الجنيد رضي الله تعالى عنه لما سئل أن يملي كلامه: لو كنت أجريه كنت أمليه، وأما في حال الصحو، فهو في نهاية المحو ينكر ذلك، ولا يظهر منه شيئاً أصلاً لا قولاً ولا فعلاً ولا علماً ولا حالاً. متحقق بقول القائل:

ومستخبر عن سر ليلى رددته ... فأصبح في ليلى بغير يقين

يقولون أخبرنا فأنت أمينها ... وما أنا إن أخبرتهم بأمين

اللهم ألا مجالس تكلم معي فيها في حال الصحو، فكشف الخمار عن وجه كثير من مليحات المعارف والأسرار، ولكن نادر، وأطال البسط معي في ثلاثة مجالس. المجلس الأول مجلس إيناس وتأليف، والمجلس الثاني مجلس تأديب وتخويف، والمجلس الثالث مجلس تبشير وتعريف على ما سبق به القضاء من التقدير والتصريف، وهذا المجلس الثالث هو الذي أشرت إليه في القصيدة بقولي:

ولا سيما يوماً أغر مباركاً ... به اليمن والبشرى بتبليغ منيتي

ولعل أكثر الناس أو كثيراً منهم له معه مجالسة كثيرة، ولا يظهر لهم منه صغيرة ولا كبيرة، ويعرض عليه أشياء كثيرة قبل أوقاتها. من ذلك قولي في قصيدة مدحته بها:

وطفت ببيت الرب قلب مطهر ... من الجس من كل الصفات الدنية

ومفتتح القصيدة المذكورة قولي:

تخلفت يوم البين عنه بجثتي ... وراحوا بقلبي يوم بانوا أحبتي

وناديت والركب اليماني راحل ... وعندي مقيم في الحشا حر لوعتي

خليلي سيرا بلغا لي تحيتي ... إلى عند سكان الربوع البهية

إذا جئتما حلي ابن يعقوب بمنا ... قليلاً إلى حيث العادات حلت

وبثا غرامي في الربوع وقبلا ... رباه وصبا دمعة بعد دمعة

ومنها عند ذكر شيخنا المذكور:

له أسفرت بيض الغلى عن محاسن ... وقالت له: بشراك بشرى برويتي

فمديت طرفي كي أراها فأسبلت ... خمار الهادوني، فمت بحسرتي

<<  <  ج: ص:  >  >>