للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فاس بدينار.

قلت: وهذه العين المذكورة التي أجرتها، أثارها باقية مشتملة على عمارة عظيمة عجيبة مما يتنزه " برؤيتها على يمين الذاهب إلى منى من مكة، ذات بنيان محكم في الجبال، تقصر العبارة عن وصف حسنه، وينزل الماء منه إلى موضع تحت الأرض عميق ذي درج كثيرة جداً لا يوصل إلى قراره إلا بهبوط " كالبير يسمونه " لظلمته، يفزع بعض الناس إذا ترك فيه وحده نهاراً، فضلاً عن الليل.

قالوا: وكان لها مائة جارية يحفظن القرآن، لكل واحدة ورد عشر القرآن، وكان يسمع في قصرها كدوي النحل في قراءة القرآن، وأسمها أمة العزيز، ولقبها جدها المنصور زبيدة لبياضها ونضارتها، وقال الطبري: أعرس بها هارون في سنة خمس وستين ومائة. قلت: لعل هذه عاشت بعد الرشيد فوق عشرين سنة.

وفي السنة المذكورة توفي الإمام العلامة أبو سعيد عبد الملك بن قريب الباهلي الأصمعي المشهور اللغوي الأخباري البصري المشبه بنغمات بلبل الألفاظ المطربة على فتن بوجه فنون النوادر المعجمة، سمع ابن عون والكبار وأكثر عن أبي عمرو بن العلاء، وكانت الخلفاء تجالسه وتحب منادمته، عاش ثمانياً وثمانين سنة، وله عدة مصنفات، وكان إماماً في اللغة والأخبار والنوادر والمالح والغرائب والأشعار، وهو من أهل البصرة، ثم قدم بغداد في أيام هارون الرشيد. قيل لأبي نواس: قد حضر أبو عبيدة والأصمعي عند الرشيد، فقال: أما أبو عبيدة فإنهم إن أمكنوه قرأ عليهم أخبار الأولين والأخرين، وأما الأصمعي فبلبل يطربك بنغمات.

وعن الأصمعي أنه قال: أحفظ ستة عشر ألف أرجوزة، ويروى: أربعة عشر ألف أرجوزة، منها المائة والمائتان.

وقال الربيع بن سليمان: سمعت الشافعي يقول: ما عبر أحد من العرب بأحسن من عبارة الأصمعي، وقال إسحاق الموصلي: لم أر الأصمعي يدعي شيئاً من العلم، فيكون أحد أعلم به منه.

وقال أبو أحمد العكبري: لقد حرض المأمون على الأصمعي، وهو بالبصرة أن يصير إليه، فلم يفعل، واحتج بضعفه وكبره، وكان المأمون يجمع المشكل من المسائل، ويثير ذلك إليه، فيجيب عنه.

وذكر في كتاب المقتبس عن ابن عريد أو أبي حاتم قال: كنا عند الحسن بن سهل، وبالحضرة جماعة من أهل العلم، منهم جرير بن حازم، ومعمر بن المثنى، والأصمعي، والهيثم بن علي، في جماعة من هذا السن، وحاجب الحسن يعرض عليه قصصاً، وهو يوقع في كل قصة ما ينبغي لها، حتى مر بخمسين قصة، فلما نفض ما بين يديه أقبل علينا، فقال: قد فعلنا في يومنا خيراً كثيراً، ورفعنا في هذه القصص بما فيه فرح لأهلها، ونرجوا أن نكون في كل ذلك مثابين مشكورين، فأفيضوا بنا في حق أنفسنا نتذاكر العلم، فتكلم أبو عبيدة والأصمعي

<<  <  ج: ص:  >  >>