أشرت في هذا إلى أن الحلاج ظفر به سلطان الشرع الظاهر، وأبو يزيد تحصن بدرع حال الذي هو عن سلاح تسلط السلطان ساتر.
قلت: وما أحسن ما أشار بعض أرباب الأحوال في وقوع الحلاج دون أبي يزيد حيث قال: الحلاج خرج من بحر الحقيقة إلى الساحل، وظفر به فأسر، وأقيم عليه الحد. وأما أبو يزيد فإنه لم يخرج من بحر الحقيقة والتحقيق، فلم يكن لهم إلى الظفر به طريق، هذا معنى كلامه والإشارة، وإن اختلف منا العبارة.
ومن كلام الشيخ العارف بالله تعالى السيد الجليل أبي الشموس أبي الغيث ابن جميل قدس الله روحه فيما نحن بصدده من السكر لمحبة الله تعالى والفناء عما سوى الله تعالى، لإشارة إلى من صدر منه مثل المقال في سكر وواردات الأحوال، قوله: هداك الله إلى شراب ماء عين، من حسا منها حسوة واحدة عدم عقله، فإن أكثر مما ذكرناه ادعى الربوبية، ودل على ضعفه لأن من كان قبلنا كان بهذا الوصف، لكن لباس ثوب العبودية لنا أكمل وأجمل، وذلك أقصى ما نروم ونطلب. فقد صرح في كلامه هذا بأن مثل هذا إنما يقع عمن سكر بالمشرب المذكور، وضعف عن احتمال تجلي الجمال والنور.
قلت: ومما يختشى من مثل هذا الضعف ما يروى عن غير واحد منهم أنهم كانوا يدافعون الأحوال الواردة عليهم، لئلا يقعوا في مثل هذا.
وكان بعضهم إذا ورد عليه الحال يدخل السوق، ويسمع كلام الناس، وما هو فيه من اللفظ. وبعضهم كان يأتي زوجته عن ذلك، وبعضهم كان يركب الفرس ويركض ويلهو به، وغير ذلك من اللهو في الأفعال التي تنافي الأحوال. رجعنا إلى ذكر الحلاج: قيل أنه سئل عن التصوف، وهو مصلوب فقال: هي نفسك إن لم تشغلها شغلتك. قلت: في لا بد لها من أن تشغل، فإن لم تشغلها بالطاعات ووظائف العبادات شغلتك بالخواطر المذمومات الموقعات في الهوى والآفات. ومن الشعر المنسوب إليه على اصطلاحهم: