وأصوات وراء الباب لكن ... عبارات الورى في القرب همس
وآخر ما يؤول إليه عبد ... إذا بلغ المداحيض نفس
لأن الخلق خدام الأماني ... وحق الحق في التحقيق قدس
ومما نظمه أيضاً على اصطلاحهم وإشاراتهم قوله:
لا كنت إن كنت أدري كيف كنت ولا
لا كنت إن كنت أدري كيف لم أكن
أرسلت تسأل عني كيف بت وما ... لاقيت بعدك من هم ومن حزن
وقوله أيضاً:
ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له ... إياك إياك أن تبتل بالماء
وقوله أيضاً في كتابه إلى أبي العباس بن عطاء:
كتبت ولم أكتب إليك وإنما ... كتبت إلى نفسي بغير كتاب
وذاك لأن الروح لا فرق بينها ... وبين محبيها بفصل خطاب
وكل كتاب صادر منك وارد ... إليك فلا يحتاج رد جواب
وغير ذلك مما يجري هذا المجرى: ومن كلام الحلاج: المدبر وهو الخارج عن أسباب الدارين. وقال: من أسكرته أنوار التوحيد حجبت عن عبادة التجريد بل من أسكرته حقائق التجريد نطق عن حقائق التجريد. لأن السكران هو الذي ينطق لكل مكتوم، وقال بعضهم: لقيت الحلاج يوماً في حال رثة، فقلت له: كيف حالك؟. فأنشأ يقول:
لئن أمسيت في ثوب عديم ... لقد بلي على حر كريم
فلا يحزنك أن أبصرت حالاً ... يغيرني عن الحال القديم
فلي نفس ستتلف أو سترقى ... لعمر الله في أمر جسيم
قال بعضهم: سمعت الحسين بن منصور وهو على الخشبة يقول:
طلبت المستقر بكل أرض ... فلم أر لي بأرض مستقراً
أطعت مطامعي فاستعبدتني ... فلو أتي قنعت لكنت حراً
قلت: وله كلام فائق، وشعر رائق، فيهما الكثير من الناس في مسألك المؤاخذة، مضائق، وإيراد كل ذلك في هذا المختصر غير لائق، وحاصل الأمر أنه أفتى كثر علماء عصره بإباحة دمه.