ويقال: أن العباس بن سريج كان إذا سئل عنه يقول: هذا رجل خفي عليه حاله، وما أقول فيه شيئاً. قلت: هكذا قيل مع ابن سريج، توفي قبل قتل الحلاج بثلاث سنين. ويحتمل أن يكون قال ذلك في حياته لما سئل عنه قبل أن يقتل بمدة طويلة.
وكذلك ما قيل أن الجنيد وابن داود الظاهري من جملة من أفتى بقتله لا يصح، لأن الجنيد توفي سنة ثمان وتسعين ومائتين، قبل قتل الحلاج بإحدى عشرة سنة. ومحمد بن داود توفي قبل قصة الحلاج باثنتي عشرة سنة.
رجعنا إلى ذكر الحلاج. قالوا: وكان قد جرى منه كلام في مجلس حامد بن العباس وزير المقتدر بحضرة القاضي أبي عمر، فأفتى بحل دمه، وكتب خطه بذلك، وكتب معه من حضر المجلس من الفقهاء. وقال لهم الحلاج: ظهري حمى، ودمي حرام، وما يحل لك أن تناولوا علي بما يبيده، وأنا اعتقادي الإسلام، ومذهبي السنة وتفضيل الأئمة الأربعة والخلفاء الراشدين وبقية العشرة من الصحابة، ولي كتب في السنة موجودة في الوراقين، فالله الله في دمي. ولم يزل يردد هذا القول، وهم يكتبون خطوطهم، إلى أن استكملوا ما احتاجوا إليه. وانفضوا من المجلس، وحمل الحلاج إلى السجن. وكتب الوزير إلى المقتدر بخبره بما جرى في المجلس، وسير الفتوى، فعاد جواب المقتدر بأن القضاة إذا كانوا قد أفتوا بقتله فليسلم إلى صاحب الشرطة، وليتقدم فليضربه ألف سوط، فإن مات وإلا اضربه ألف سوط أخرى، ثم يضرب عنقه، فسلمه الوزير إلى الشرطي، وقال له ما رسم به المقتدر، وقال له: إن لم يتلف بالضرب فبقطع يدى ثم رجله، ثم تجز رقبته، وتحرق جثته. وإن خدعك وقال لك: أنا أجري لك الفرات ودجلة ذهباً وفضة فلا تقبل ذلك منه، ولا ترفع العقبربة عنه، فتسلمه الشرطي ليلاً وأصبح يوم الثلاثاء لسبع بقين من ذي الحجة من السنة المذكورة، فأخرجه إلى عند " باب الطاق "، وهو يتبختر في قيوده.
واجتمع من العامة خلق لا يحصى عددهم، وضربه الجلاد ألف سوط، ولم يتأوه، بل قال للشرطي لما بلغ الستمائة: ادع لي عندك، فإن لك عندي نصيحة تعدل فتح القسطنطينية. فقال له: قد قيل لي عنك أنك تقول هذا وكثر منه، وليس إلى رفع الضرب عنك سبيل. ولما فرغ من ضربه قطع أطرافه الأربعة. ثم جز رأسه، ثم أحرقت جثته. ولما صار رماداً ألقاه في الدجلة، ونصب الرأس ببغداد على الجسر.
وقيل: أن أصحابه جعلوا يعدون أنفسهم برجوعه بعد أربعين يوماً. واتفق أن دجلة زاد تلك السنة زيادة وافرة، فادعى أصحابه أن ذلك سبب إلقاء رماده فيها، وادعى بعض أصحابه