المتنبي وابن خالويه النحوي كلام، فوثب ابن خالويه على المتنبي، فضرب وجهه بمفتاح كان بيده، فشجه فخرج ودمه يسيل على ثيابه، فغضب وخرج إلى مصر، وامتدح كافوراً ثم رحل عنه، وقصد بلاد فارس، ومدح عضد الدولة الديلمي، فأجزل جائزته. ولما رجع من عنده قاصداً إلى بغداد ثم إلى الكوفة في شعبان لثمان خلون منه، عرض له فاتك بن أبي الجهل الأسدي في عدة من أصحابه، وكان مع المتنبي أيضاً جماعة من أصحابه، فقاتلوهم فقتل المتنبي وابنه محسد " بضم الميم وفتح الحاء والسين المشددة بين المهملتين " وغلامه مفلح بالقرب من النعمانية، في موضع يقال له الصافية، وقيل خيال الصافية، من الجانب الغربي من سواد بغداد عند دير العاقول، بينهما مسافة ميلين.
وذكر ابن رشيق في " كتاب العمدة " في باب منافع الشعر ومضاره أن أبا الطيب لما فر حين رأى الغلبة، قال له غلامه: لا يتحدث الناس عنك بالفرار أبداً وأنت القائل:
وكان سبب قتله هذا البيت، وذلك يوم الأربعاء لست بقين، وقيل لليلتين بقيتا من شهر رمضان سنة أربع وخمسين وثلاثمائة، وقيل يوم الاثنين لثمان بقين، وقيل لخمس بقين. ومولده سنة ثلاث وثلاثمائة بالكوفة، في محلة تسمى كندة، فنسب إليها. وليس هو من كندة التي هي قبيلة، بل هو جعفي القبيلة بضم الجيم وسكون العين المهملة وبعدها فاء ولما قتل المتنبي رثاه القاسم بن المظفر بقوله:
لا رعى الله شرب هذا الزمان ... إذ دهانا في مثل ذاك اللسان
ما رأى الناس ثاني المتنبي ... أي ثان يرى أنكر الزمان
كان من نفسه الكبير في ... جيش وفي كربادي سلطان
لو يكن جاء من الشعر أنبى ... ظهرت معجزاته في المعاني
قلت: وهذا البيت الأخير غيرت ألفاظ مصراعه الأول إلى هذه الألفاظ المذكورة، عدولاً عن بشاعة لفظه، وما يتضمن ظاهره من الكفر الموافق لما ادعاه المتنبي، فإنه قال في المصراع المذكور:
وهو في شعره نبي ولكن ... ظهرت معجزاته في المعاني
ويحكى أن المعتمد بن عباد اللخمي صاحب قرطبة وأشبيلية أنشد يوماً بيت المتنبي وهو من جملة قصيدته المشهورة: