للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا ظفرت منك العيون بنظرة ... أثاب بها معنى المطي ورازمه

وجعل يردده استحساناً له وفي مجلسه أبو محمد عبد الجليل بن وهيون الأندلسي، فأنشد ارتجالاً:

لئن جاد شعر ابن الحسين فإنما ... تجيد العطايا واللهى تفتح اللهى

تنبا عجباً للقريض ولو درى ... بأنك تدري شعره لنالها

قلت: يعني بالبيت الثاني أن المتنبي إنما تنبأ، أي ادعى النبوة إعجاباً منه بعشره، ولو درى أنك ستدري شعره وتستحسنه لناله، أي: ادعى الإلهية.

وقوله في البيت الأول: واللهى تفتح اللهى الأولى: بضم اللام، جمع لهوة بالضم، وهو ما يجعل في الرحى من الحب. والثانية بفتح اللام، جمع لهاة، وهي الهيئة المطبقة في أقصى سقف الفهم، واستعار بذلك استعارة حسنة، يعني إنما تفتح تلك اللها لأجل ما يوضع في فمه من المآكل الطيبة، والمراد إنما يجيد شعره ما يأخذه من أموال السلاطين والولاة. وذلك الذي حمله على تجويد شعره. ولقد أبدع عبد الجليل المذكور في هذين البيتين من ثلاثة أوجه: الأول: الارتجال، والثاني: ما تضمنا من المعاني الحسنة المطابقة للحال، والثالث ما ضمنه من الجناس الحسن.

وقيل: المتنبي أنشد لسيف الدولة في الميدان قصيدة " لكل امرىء من دهره ما تعودا "، فلما عاد سيف الدولة إلى داره، استعاده إياها، فأنشدها قاعداً. فقال بعض الحاضرين ممن يريد أن يكيد أبا الطيب: لو أنشدها قائما لأسمع، فأكثر الناس لا يسمعونه، فقال أبو الطيب: أما سمعت أولها " لكل امرىء من دهره ما تعودا "، وهذا من مستحسن الأجوبة. ومحمود أخباره ومستحسن آثاره نحوت فيها نحو الاختصار، فلم أذكر شيئاً مما له من المدائح والأشعار استغناء بما فيها من الاشتهار.

وفي السنة المذكورة توفي العلامة الحبر الحافظ صاحب التصانيف أبو حاتم محمد بن حبان بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة التميمي البستي، وكان من أوعية العلم في الحديث والفقه واللغة والوعظ وغير ذلك حتى الطب والنجوم والكلام، ولي قضاء سمرقند ثم قضاء نسا، وغاب دهراً عن وطنه ثم رد إلى بست وتوفي فيها.

وفيها توفي المحدث محمد بن عبد الله بن إبراهيم البغدادي الشافعي. قال

<<  <  ج: ص:  >  >>