المؤمنين العباسي، فأعقب ذلك موت العاضد العبيدي يوم عاشوراء، فجلس صلاح الدين للعزاء، وبالغ في الحزن والبكاء، وتسلم القصر وما حوى، واهتبط على أهل القصر في مكان أفرد لهم، وقرر لهم ما يكفيهم، ووصل إلى بغداد أبو نصر سعد بن عصرون رسولاً بذلك، فزينت بغداد فرحاً وكانت خطبة بني العباس قد قطعت من مصر مائتي سنة وتسع سنين وحلت مكانها خطبة بني عبيد. فأرسله بالخلع لنور الدين وصلاح الدين، وكانت خلعة نور الدين فرجية وجبة وقباء وطوق ذهب وزنه ألف دينار، ومعها حصان بسرجه، وحصان يجنب بين يديه، وسيفان ولواء، فقفد السيفين إشارة إلى الجمع له بين الشام ومصر. وفيها سار نور الدين لحصار الكرك، وطلب صلاح الدين فاعتذي، فلم يقبل عذره، وهم بالدخول إلى مصر وعزل صلاح الدين عنها، فبلغ ذلك صلاح الدين فجمع خواصه وواله وخاله شهاب الدين ألفارمي في جماعة أمراء، واستشارهم فقال ابن أخيه عمر: إذا جاءنا ققاتلناه. وتابعه غيره على ذلك من ألفاضرين، فشتمهم والد صلاح الدين نجم الدين أيوب، وأحد وزيرهم، وقال لابنه: أنا أبوك وهذا خالك، في هؤلاء من يريد لك الخير مثلنا؟ فقال: لا، قال: والله لو رأيت أنا وهذا نور الدين لم يمكنا إلا أن ننزل نقبل الأرض، ولو أمرنا بضرب عنقك لفعلنا، فما ظنك بغيرنا، وهذه البلاد لنور الدين؟! ! فإن أراد عزلك فأي حاجة له في المجيء، بل يطلبك بكتاب. ثم تفرقوا وكتب غير واحد من الأمراء بهذا المجلس المذكور إلى نور الدين، فلما خلا نجم الدين بابنه قال: أنت جاهل، تجمع هذا الجمع وتطلعهم على سرك؟! فلو قصدك نور الدين لم تر منهم معك أحداً، فاكتب إليه واخضع له، ففعل. وفيها توفي يحيى بن سعدون بن تمام الأزدي القرطبي الملقب صائن الدين، أحد الأئمة المتأخرين في القراءات وعلوم القرآن الكريم والحديث والنحو واللغة وغير ذلك، ودخل الاسكندرية وسمع من جماعة كثيرة وكذلك بمصر، ودخل بغداد وقرأ القران، وسمع