قيسارية الفائزي: هذه القيسارية كانت بأوّل الخرّاطين مما يلي المهامزيين، لها باب من المهامزيين، وباب من الخرّاطين. أنشأها الوزير الأسعد شرف الدين أبو القاسم هبة الله بن صاعد بن وهيب الفارسيّ، كان من جملة نصارى صعيد مصر، وكتب على مبايض ناحية سيوط بدرهم وثلث في كل يوم، ثم قدم إلى القاهرة وأسلم في أيام الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب، وخدم عند الملك الفائز إبراهيم بن الملك العادل، فنسب إليه وتولى نظر الديوان في أيام الملك الصالح نجم الدين أيوب مدّة يسيرة، ثم ولى بعض أعمال ديار مصر، فنقل عنه ما أوجب الكشف عليه، فندب موفق الدين الأمديّ لذلك، فاستقرّ عوضه وسجنه مدّة، ثم أفرج عنه وسافر إلى دمشق وخدم بها الأمير جمال الدين يغمور نائب السلطنة بدمشق، فلما قدم الملك المعظم توران شاه بن الصالح نجم الدين أيوب من حصن كتبغا إلى دمشق بعد موت أبيه ليأخذ مملكة مصر، سار معه إلى مصر في شوال سنة سبع وأربعين وستمائة، فلما قامت شجرة بتدبير المملكة بعد قتل المعظم، تعلق بخدمة الأمير عز الدين آيبك التركمانيّ مقدّم العساكر إلى أن تسلطن، وتلقب بالملك المعز، فولاه الوزارة في سنة ثمان وأربعين وستمائة، فأحدث مظالم كثيرة وقرّر على التجار وذوي اليسار أموالا تجبى منهم، وأحدث التقويم والتصقيع على سائر الأملاك، وجبى منها مالا جزيلا، ورتّب مكوسا على الدواب من الخيل والجمال والحمير وغيرها، وعلى الرقيق من العبيد والجواري، وعلى سائر المبيعات، وضمن المنكرات من الخمر والمزر والحشيش وبيوت الزواني بأموال، وسمى هذه الجهات بالحقوق السلطانية والمعاملات الديوانية، وتمكن من الدولة تمكنا زائدا إلى الغاية، بحيث أنه سار إلى بلاد الصعيد بعساكر لمحاربة بعض الأمراء، وكان الملك المعز أيبك يكاتبه بالمملوك، وكثر ماله وعقاره حتى أنه لم يبلغ صاحب قلم في هذه الدول ما بلغه من ذلك، واقتنى عدّة مماليك، منهم من بلغ ثمنه ألف دينار مصرية، وكان يركب في سبعين مملوكا من مماليكه، سوى أرباب الأقلام والأتباع، وخرج بنفسه إلى أعمال مصر واستخرج أموالها، وكان ينوب عنه في الوزارة زين الدين يعقوب بن الزبير، وكان فاضلا يعرف اللسان التركيّ، فصار يضبط له مجالس الأمراء ويعرّفه ما يدور بينهم من الكلام، فلم يزل على تمكنه وبسط يده وعظم شأنه إلى أن قتل الملك المعز وقام من بعده ابنه الملك المنصور نور الدين عليّ، وهو صغير، فاستقرّ على عادته حتى شهد عليه الأمير سابق الدين بوزبا الصيرفيّ، والأمير ناصر الدين محمد بن الأطروش الكرديّ أمير جاندار، أنه قال المملكة لا تقوم بالصبيان الصغار، والرأي أن يكون الملك الناصر صاحب الشام ملك مصر، وأنه قد عزم على أن يسير إليه يستدعيه إلى مصر ويساعده على أخذ المملكة، فخافت أمّ السلطان منه وقبضت عليه وحبسته عندها بقلعة الجبل، ووكلت بعذابه الصارم أحمر عينه العماديّ الصالحي، فعاقبه عقوبة عظيمة، ووقعت الحوطة على سائر أمواله وأسبابه وحواشيه، وأخذ خطه بمائة ألف دينار، ثم خنق لليال مضت من