للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الملك عن نفسها فامتنعت عليه، فذهب ليمدّ يده إليها فقالت: إنك إن وضعت يدك عليّ أهلكت نفسك، لأنّ لي ربا يمنعني منك. فلم يلتفت إلى قولها ومدّ يده إليها، فجفت يده وبقي حائرا. فقال لها: أزيلي عني ما قد أصابني. فقالت: على أن لا تعاود مثل ما أتيت.

قال: نعم. فدعت الله سبحانه وتعالى فزال عنه ورجعت يده إلى حالها. فلما وثق بالصحة راودها ومناها ووعدها بالإحسان، فامتنعت وقالت: قد عرفت ما جرى. ثم مدّ يده إليها فجفت وضربت عليه أعضاؤه وعصبه، فاستغاث بها وأقسم بالآلهة أنها إن أزالت عنه ذلك فإنه لا يعاودها. فسألت الله تعالى، فزال عنه ذلك ورجع إلى حاله فقال: إنّ لك لربا عظيما لا يضيعك، فأعظم قدرها وسألها عن إبراهيم فقالت: هو قريبي وزوجي. قال: فإنه قد ذكر أنك أخته. قالت: صدق، أنا أخته في الدين، وكل من كان على ديننا فهو أخ لنا. قال: نعم الدين دينكم.

ووجه إلى ابنته جوريا، وكانت من الكمال والعقل بمكان كبير، فألقى الله تعالى محبة سارة في قلبها، فكانت تعظمها وأضافتها أحسن ضيافة، ووهبت لها جوهرا ومالا. فأتت به إبراهيم عليه السلام فقال لها: ردّيه فلا حاجة لنا به. فردّته، وذكرت ذلك جوريا لأبيها.

فعجب منهما وقال: هذا كريم من أهل بيت الطهارة، فتحيلي في برّها بكل حيلة، فوهبت لها جارية قبطية من أحسن الجواري يقال لها آجر، وهي هاجر أم إسماعيل عليه السلام، وجعلت لها سلالا من الجلود، وجعلت فيها زاد وحلوى وقالت: يكون هذا الزاد معك، وجعلت تحت الحلوى جوهرا نفيسا وحليا مكللا. فقالت سارة: أشاور صاحبي. فأتت إبراهيم عليه السلام واستأذنته فقال: إذا كان مأكولا فخذيه. فقبلته منها.

وخرج إبراهيم، فلما مضى وأمعنوا في السير، أخرجت سارة بعض تلك السلال فأصابت الجوهر والحلي، فعرّفت إبراهيم عليه السلام ذلك، فباع بعضه وحفر من ثمنه البئر التي جعلها للسبيل، وفرّق بعضه في وجوه البرّ، وكان يضيف كل من مرّ به، وعاش طيطوس إلى أو وجهت هاجر من مكة تعرّفه أنها بمكان جدب وتستغيثه، فأمر بحفر نهر في شرقيّ مصر بسفح الجبل حتى ينتهي إلى مرقى السفن في البحر الملح، فكان يحمل إليها الحنطة وأصناف الغلات، فتصل إلى جدّة وتحمل من هناك على المطايا، فأحيا بلد الحجاز مدّة، ويقال إنما حلّيت الكعبة في ذلك العصر مما أهداه ملك مصر، وقيل أنه لكثرة ما كان يحمله طوطيس إلى الحجاز سمته العرب وجرهم الصادوق، ويقال أنه سأل إبراهيم عليه السلام أن يبارك له في بلده فدعا بالبركة لمصر، وعرّفه أن ولده سيملكها ويصير أمرها إليهم قرنا بعد قرن.

وطوطيس أوّل فرعون كان بمصر، وذلك أنه أكثر من القتل حتى قتل قراباته وأهل بيته وبني عمه وخدمه ونساءه، وكثيرا من الكهنة والحكماء، وكان حريصا على الولد فلم يرزق

<<  <  ج: ص:  >  >>