ولدا غير ابنته جوريا، أو جورياق، وكانت حكيمة عاقلة تأخذ على يده كثيرا وتمنعه من سفك الدماء، فأبغضته ابنته وأبغضه جميع الخاصة والعامة، فلما رأت أمره يزيد خافت على ذهاب ملكهم فسمته وهلك، وكان ملكه سبعين سنة، واختلفوا فيمن يملك بعده، وأرادوا أن يقيموا واحدا من ولد اتريب، فقال بعض الوزراء ودعا لجورياق، فتمّ لها الأمر وملكت.
فهذا كان أوّل أمر هذا الخليج.
ثم حفره مرّة ثانية أدريان قيصر، أحد ملوك الروم، ومن الناس من يسميه أندرويانوس، ومنهم من يقول هوريانوس، قال في تاريخ مدينة رومة، وولي الملك أدريان قيصر أحد ملوك الروم، وكانت ولايته إحدى وعشرين سنة، وهو الذي درس اليهود مرّة ثانية إذ كانوا راموا النفاق عليه، وهو الذي جدّد مدينة يروشالم، يعني مدينة القدس، وأمر بتبديل اسمها وأن تسمى إيليا. وقال علماء أهل الكتاب عن أدريان هذا: وغزا القدس وأخربه في الثانية من ملكه، وكان ملكه في سنة تسع وثلاثين وأربعمائة من سني الإسكندر، وقتل عامة أهل القدس، وبنى على باب مدينة القدس منارا وكتب عليه: هذه مدينة إيليا، ويسمى موضع هذا العمود الآن محراب داود. ثم سار من القدس إلى باب فحارب ملكها وهزمه وعاد إلى مصر، فحفر خليجا من النيل إلى بحر القلزم، وسارت فيه السفن وبقي رسمه عند الفتح الإسلاميّ، فحفره عمرو بن العاص، وأصاب أهل مصر منه شدائد وألزمهم بعبادة الأصنام، ثم عاد إلى بلاده بممالك الروم فابتلى بمرض أعيى الأطباء، فخرج يسير في البلاد يبتغي من يداويه، فمرّ على بيت المقدس وكان خرابا ليس فيه غير كنيسة للنصارى، فأمر ببناء المدينة وحصنها وأعاد إليها اليهود، فأقاموا بها وملّكوا عليهم رجلا منهم.
فبلغ ذلك أدريان قيصر فبعث إليهم جيشا لم يزل يحاصرهم حتى مات اكثرهم جوعا وعطشا وأخذها عنوة، فقتل من اليهود ما لا يحصى كثرة، وأخرب المدينة حتى صارت تلالا عامرة فيها البتة، وتتبع اليهود يريد أن لا يدع منهم على وجه الأرض أحدا، ثم أمر طائفة من اليونانيين فتحوّلوا إلى مدينة القدس وسكنوا فيها، فكان بين خراب القدس الخراب الثاني على يد طيطوس وبين هذا الخراب ثلاث وخمسون سنة، فعمرت القدس باليونان، ولم يزل قيصر هذا ملكا حتى مات، فهذا خبر حفر هذا الخليج في المرّة الثانية، فلما جاء الإسلام جدّد عمرو بن العاص حفره.
قال ابن عبد الحكم ذكر حفر خليج أمير المؤمنين رضي الله عنه: حدّثنا عبد الله بن صالح عن الليث بن سعد قال: إنّ الناس بالمدينة أصابهم جهد شديد في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في سنة الرمادة، فكتب رضي الله عنه إلى عمرو بن العاص وهو بمصر، من عبد الله عمر أمير المؤمنين، إلى العاصي ابن العاصي سلام. أما بعد: فلعمري يا عمرو ما تبالي إذا شبعت أنت ومن معك، أن أهلك أنا ومن معي، فيا غوثاه