للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإن جئت رأس الجسر فانظر تأمّلا ... إلى الحصن أو فاعبر إليه على الجسر

ترى أثرا لم يبق من يستطيعه ... من الناس في بدو البلاد ولا حضر

مآثر لا تبلى وإن باد أهلها ... ومجد يؤدّي وارثيه إلى الفخر

وما زال حصن الجزيرة هذا عامرا أيام بني طولون، وعملت فيه صناعة مصر التي تنشأ فيها المراكب الحربية، فاستمرّ صناعة إلى أن تقلد الأمير محمد بن طفج الإخشيد إمارة مصر من قبل أمير المؤمنين الراضي بالله، وسير مراكب من الشأم، عليها صاعد بن الكلكم، فدخل تنيس وسارت مقدّمته في البر، ودخل صاعد دمياط وسار فهزم جيش مصر الذي جهزه أحمد بن كيغلغ إليه، بتدبير محمد بن عليّ الماردانيّ على بحيرة نوسا، وأقبل في مراكبه إلى الفسطاط، فكان بالجزيرة، وقدم محمد بن طفج وتسلم البلد لست بقين من رمضان سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة وفرّ منه جماعة إلى الفيوم، فخرج إليهم صاعد بن الكلكم في مراكبه وواقعهم بالفيوم، فقتل في عدّة من أصحابه، وقدمت الجماعة في مراكب ابن كلكم فأرسوا بجزيرة الصناعة وحرّقوها، ثم مضوا إلى الإسكندرية وساروا إلى برقة فقال محمد بن طفج الصناعة هنا خطأ وأمر بعمل صناعة في برّ مصر.

وحكى ابن زولاق في سيرة محمد بن طفج أنه قال: اذكر أني كنت آكل مع أبي منصور تكين أمير مصر، وجرى ذكر الصناعة فقال تكين: صناعة يكون بيننا وبينها بحر خطأ، فأشارت الجماعة بنقلها فقال: إلى أيّ موضع؟ فأردت أن أشير عليه بدار خديجة بنت الفتح بن خاقان، ثم سكت وقلت أدع هذا الرأي لنفي إذا ملكت مصر، فبلغت ذلك والحمد لله وحده. ولما أخذ محمد بن طفج دار خديجة كان يتردّد إليها حتى عملت، فلما ابتدءوا بإنشاء المراكب فيها صاحت به امرأة فقال: خذوها، فساروا بها إلى داره، فأحضرها مسار واستخبرها عن أمرها فقالت: ابعث معي من يحمل المال، فأرسل معها جماعة إلى دار خديجة هذه، فدلتهم على مكان استخرجوا منه عينا وورقا وحليا وثيابا وعدّة ذخائر لم ير مثلها، وصاروا بها إلى محمد بن طفج، فطلب المرأة ليكافئها على ما كان منها فلم توجد، فكان هذا أوّل مال وصل إلى محمد بن طفج بمصر. قال: واستدعى محمد بن طفج الإخشيد صالح بن نافع وقال له: كان في نفسي إذا ملكت مصر أن أجعل صناعة العمارة في دار ابنة الفتح، وأجعل موضع الصناعة من الجزيرة بستانا أسميه المختار، فاركب وخط لي بستانا ودارا، وقدّر لي النفقة عليهما، فركب صالح بجماعة وخطوا بستانا فيه دار للغلمان ودار للنوبة وخزائن للكسوة وخزائن للطعام، وصوّروه وأتوا به فاستحسنه وقال: كم قدّرتم النفقة؟ قالوا ثلاثين ألف دينار. فاستكثرها، فلم يزالوا يضعون من التقدير حتى صار خمسة آلاف دينار، فأذن في عمله.

<<  <  ج: ص:  >  >>