تسعين وستمائة، وأمره فصعد منبر الجامع بالقلعة وخطب وعليه سواده، وقد تقلد سيفا محلّى، ثم نزل فصلى بالناس صلاة الجمعة قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة، وخطب أيضا خطبة ثالثة في يوم الجمعة تاسع عشري ربيع الأوّل سنة إحدى وتسعين، وحج سنة أربع وتسعين، ثم منع من الاجتماع بالناس، فامتنع حتى أفرج عنه المنصور لاجين في سنة ست وتسعين وأسكنه بمناظر الكبش، وأنعم عليه بكسوة له ولعياله، وأجرى عليه ما يقوم به، وخطب بجامع القلعة خطبة رابعة وصلى بالناس الجمعة، ثم حج سنة سبع وتسعين، وتوفي ليلة الجمعة ثامن عشر جمادى الأولى، سنة إحدى وسبعمائة، فكانت خلافته مدّة أربعين سنة ليس له فيها أمر ولا نهي، إنما حظه أن يقال أمير المؤمنين، وكان قد عهد إلى ابنه الأمير أبي عبد الله محمد المستمسك، ثم من بعده لأخيه أبي الربيع سليمان المستكفي، فمات المستمسك في حياته، واشتدّ جزعه عليه، فعهد لابنه إبراهيم بن محمد المستمسك.
فلما مات الحاكم أقيم من بعده ابنه المستكفي بالله أبو الربيع سليمان بعده له، فشهد وقعة شقجب مع الملك الناصر محمد بن قلاون وعليه سواده، وقد أرخى له عذبة طويلة وتقلد سيفا عربيا محلى، ثم تنكر عليه وسجنه في برج بالقلعة نحو خمسة أشهر، وأفرج عنه وأنزله إلى داره قريبا من المشهد النفيسيّ بتربة شجرة الدر، فأقام نحو ستة أشهر وأخرجه إلى قوص في سنة سبع وثلاثين وسبعمائة، وقطع راتبه وأجرى له بقوص ما يتقوّت به، فمات بها في خامس شعبان سنة أربعين.
وعهد إلى ولده، فلم يمض الملك الناصر محمد عهده، وبويع ابن أخيه أبو إسحاق إبراهيم بن محمد المستمسك بن أحمد الحاكم بيعة خفية لم تظهر، في يوم الاثنين خامس عشري شعبان المذكور، وأقام الخطباء أربعة أشهر لا يذكرون في خطبهم الخليفة، ثم خطب له في يوم الجمعة سابع ذي القعدة منها، ولقب بالواثق بالله، فلما مات الناصر محمد وأقيم بعده ابنه المنصور أبو بكر استدعى أبو القاسم أحمد بن أبي الربيع سليمان، وأقيم في الخلافة ولقب بالحاكم بعد ما كان يلقب بالمستنصر، وكني بأبي العباس، في يوم السبت سلخ ذي الحجة سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، وفاستمرّ حتى مات في يوم الجمعة رابع شعبان، سنة ثمان وأربعين وسبعمائة.
فأقيم بعده أخوه المعتضد بالله أبو بكر، وكنيته أبو الفتح بن أبي الربيع سليمان، في يوم الخميس سابع عشرة واستقرّ مع ذلك في نظر مشهد السيدة نفيسة رضي الله عنها ليستعين بما يريد إلى ضريحها من نذر العامّة على قيام أوده، فإن مرتب الخلفاء كان على مكس الصاغة، وحسبه أن يقوم بما لا بدّ منه في قوتهم، فكانوا أبدا في عيش غير موسع، فحسنت حال المعتضد بما يبيعه من الشمع المحمول إلى المشهد النفيسيّ ونحوه إلى أن توفي يوم