ما أسقطه أبوه من الخراج، ووعد بالإحسان فاستقام له الأمر، وردّ نساء الناس، وهو خامس الفراعنة، وحدث في زمانه طوفان مصر، وكثر بنوا إسرائيل وعابوا الأصنام، فأفردوا ناحية عن البلد بحيث لا يختلط بهم غيرهم، وأقطعوا موضعا في قبليّ منف، فاجتمعوا فيه، وبنوا فيه معبدا، وغلب بعض الكنعانيين على الشام، ومنع من الضريبة التي كانت على أهل الشام لملك مصر، فاجتمع الناس إلى معدان، وحثوه على المسير لحربه، فامتنع من المسير ولزم الهيكل، فزعموا أنه قام في هيكل زحل للعبادة، فتجلى له زحل، وخاطبه. وقال له: قد جعلتك ربا على أهل بلدك، وحبوتك بالقدرة عليهم، وعلى غيرهم، وسأرفعك إليّ، فلا تخل من ذكري فعظم عند نفسه وتجبر، وأمر الناس، أن يسموه ربا، وترفع عن أن ينظر في شيء من أمر الملك، وجعل عليه ابنه اكسامس.
فقام ابنه اكسامس في الملك، ويقال: كلسم بن معدان، فرتب الناس مراتب، وقسم الكور والأعمال، وأمر باستنباط العمارات، وإظهار الصناعات، ووسع على الناس في أرزاقهم، وأمر بتنظيف الهياكل، وتجديد لباسها وأوانيها وزاد في القرابين، وهو الذي يقال له: كاشم بن معدان بن دارم بن الريان بن الوليد بن دومع العمليقي، وهو سادس الفراعنة، وسموا فراعنة، بفرعان، الأوّل فصار اسما لكل من تجبر وعلا أمره، فطال ملكه، وأقام أعلاما كثيرة حول منف، وعمل مدنا كثيرة، ومناير للوقودات وطلسمات، وأقام سبع سنين بأجمل أمر، فلما مات وزير أبيه استخلف رجلا من أهل بيت المملكة يقال له ظلما بن قومس، وكان شجاعا ساحرا كاهنا كاتبا حكيما متصرّفا في كل فنّ، وكانت نفسه تنازعه الملك، فأصلح أمر الملك وبنى مدنا من الجانبين، ورأى في نجومه أنه سيكون حدث، فبنى بناحية رقودة والصعيد ملاعب ومصانع وشكا إليه القبط من الإسرائيليين، فقال: هم عبيدكم، فأذلوهم من حينئذ، وخرج إلى ناحية البربر، فعاث وقتل وسبى، وفي أيامه:
بنيت منارة الإسكندرية، وهاج البحر الملح فغرّق كثيرا من القرى والجنان والمصانع، ومات اكسامس، وكان ملكه إحدى وثلاثين سنة، منها إحدى عشرة سنة يدبر أمره ظلما، فلما مات اضطرب الناس، واتهموا ظلما أنه سمه فقام.
وولي لاطيس بن اكسامس: وكان جريئا معجبا صلفا، فأمر ونهى، وألزم الناس أعمالهم، وقال: أنا مستقيم ما استقمتم، وإن ملتم عن الواجب ملت عنكم، وحط جماعة عن مراتبهم، وصرف ظلما عن خلافته، واستخلف غيره، وأنفذ ظلما إلى الصعيد في جماعة من الإسرائيليين، وجدّد بناء الهياكل وبنى القرى وأثار معادن كثيرة وكنز في صحراء الشرق عدّة كنوز، وكان يحب الحكمة، ثم تجبر وعلا أمره، وأمر أن لا يجلس أحد في مجلسه، ولا في قصر الملك، لا كاهن ولا غيره، بل يقومون على أرجلهم حتى يمضوا، وزاد في أذى الناس والعنف بهم، وممنع فضول ما بأيديهم وقصرهم على القوت، وجمع أموالهم وطلب النساء، وانتزع كثيرا منهنّ وفعل أكثر مما فعله من تقدّم قبله، واستعبد بني