ببحيرة تنيس، حوت طوله ذراع ونصفه الأعلى فيه، رأس وعينان وعنق وصدره على صورة أسد ويداه في صدره بمخالبه ونصفه الأدنى صورة حوت بغير قشر فحمل إلى القاهرة. وفي سنة سبع وتسعين وثلثمائة ولدت جارية بنتا برأسين، أحدهما بوجه أبيض مستدير، والآخر بوجه أسمر فيه سهولة في كل وجه عينان، فكانت ترضعهما، وكلاهما مركب على عنق واحد في جسد واحد بيدين ورجلين وفرج ودبر، فحملت إلى العزيز حتى رآها ووهب لأمها جملة من المال، ثم عادت إلى تنيس وماتت بعد شهور.
وفي سنة إحدى وسبعين وخمسمائة وصل إلى تنيس من شواني صقلية نحو أربعين مركبا، فحصروها يومين، وأقلعوا ثم وصل إليها من صقلية أيضا في سنة ثلاث وسبعين نحو أربعين مركبا فقاتلوا أهل تنيس حتى ملكوها. وكان محمد بن إسحاق صاحب الأسطول قد حيل بينه وبين مراكبه، فتحيز في طائفة من المسلمين إلى مصلى تنيس، فلما اجنهم الليل، هجم بمن معه البلد على الفرنج، وهم في غفلة، فأخذ منهم مائة وعشرين، فقطع رؤوسهم، فأصبح الفرنج إلى المصلى وقاتلوا من بها من المسلمين، فقتل من المسلمين نحو السبعين، وسار من بقي منهم إلى دمياط، فمال الفرنج على تنيس وألقوا فيها النار، فأحرقوها، وساروا وقد امتلأت أيديهم بالغنائم والأسرى إلى جهة الإسكندرية بعد ما أقاموا بتنيس، أربعة أيام.
ثم لما كانت سنة ست وسبعين وخمسمائة نزل فرنج عسقلان في عشر حراريق «١» على أعمال تنيس، وعليها رجل منهم، يقال له: المعز، فأسر جماعة، وكان على مصر، الملك العادل من قبل أخيه الملك الناصر، صلاح الدين يوسف، عند ما سار إلى بلاد الشام، ثم مضى المعز، وعاد فأسر ونهب، فثار به المسلمون، وقاتلوه فظفرهم الله به وقبضوا عليه، وقطعوا يديه ورجليه وصلبوه.
وفي سنة سبع وسبعين وخمسمائة، انتدب السلطان لعمارة قلعة تنيس، وتجديد الآلات بها عندما اشتدّ خوف أهل تنيس من الإقامة بها، فقدّر لعمارة سورها القديم على أساساته الباقية مبلغ ثلاثة آلاف دينار عن ثمن أصناف وآجر.
وفي سنة ثمان وثمانين وخمسمائة، كتب بإخلاء تنيس، ونقل أهلها إلى دمياط، فأخليت في صفر من الذراري والأثقال، ولم يبق بها سوى المقاتلة في قلعتها.
وفي شوّال من سنة أربع وعشرين وستمائة، أمر الملك الكامل، محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب، بهدم مدينة تنيس، وكان من المدن الجليلة تعمل بها الثياب السرية، وتصنع بها كسوة الكعبة.