للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الظفر والسعادة معانا منصورا على كل من حاربه، وكان في أوّل أمره على دين المجوس شديدا على النصارى ماقتا لدينهم، وكان سبب رجوعه عن ذلك إلى دين النصرانية أنه ابتلي بجذام ظهر عليه، فاغتمّ لذلك غما شديدا، وجمع الحذاق من الأطباء، فاتفقوا على أدوية دبّروها له، وأوجبوا أن يستنقع بعد أخذ تلك الأدوية في صهريج مملوء من دماء أطفال رضع ساعة يسيل منهم، فتقدّم أمره بجمع جملة من أطفال الناس، وأمر بذبحهم في صهريج ليستنقع في دمائهم، وهي طرية، فجمعت الأطفال لذلك، وبرز ليمضي فيهم ما تقدّم به من ذبحهم، فسمع ضجيج النساء اللّاتي أخذ أولادهنّ، فرحمهنّ وأمر فدفع لكل واحدة ابنها، وقال: احتمال علّتي أولى بي، وأوجب من هلاك هذه العدّة العظيمة من البشر، فانصرف النساء بأولادهنّ، وقد سررن سرورا كثيرا، فلما صار من الليل إلى مضجعه رأى في منامه شيخا يقول له: إنك رحمت الأطفال وأمّهاتهم، ورأيت احتمال علتك أولى من ذبحهم، فقد رحمك الله، ووهبك السلامة من علتك، فابعث إلى رجل من أهل الإيمان يدعى: شلبشقر، قد فرّ خوفا منك، وقف عندما يأمرك به، والتزم ما يخصك عليه تتم لك العافية، فانتبه مذعورا، وبعث في طلب شلبشقر الأسقف، فأتي به إليه وهو يظنّ أنه يريد قتله، لما عهده من غلظته على النصارى، ومقته لدينهم، فعندما رآه تلقاه بالبشر، وأعلمه بما رآه في منامه، قفص عليه دين النصرانية، وكانت له معه أخبار طويلة مذكورة عندهم، فبعث قسطنطين في جمع الأساقفة المنفيين، والمسيرين والتزم دين النصرانية، وشفاه الله من الجذام، فأيد الديانة، أعلن بالإيمان بدين المسيح، وبينا هو في ذلك إذ توقع وثوب أهل رومة عليه، وإيقاعهم به، فخرج عنها وبنى مدينة قسطنطينية «١» بنيانا جليلا فعرفت به، وسكنها فصارت موضع تخت الملك من عهده، وقد كان النصارى من لدن زمان بيرون الملك الذي قبل الحواريين، ومن بعده ممن ملك رومة في كل وقت يقتلون، ويحبسون ويشرّدون بالنفي، فلما سكن قسطنطين مدينة قسطنطينية جمع إلى نفسه أهل المسيح، وقوّى وجوههم وأذلّ عبّاد الأوثان، فشق ذلك على أهل رومة، وخلعوا طاعته، وقدّموا عليهم ملكا، فأهمه ذلك، ومرّت له معهم عدّة أخبار مذكورة في تاريخ رومة، ثم إنه خرج من قسطنطينية يريد رومة، وقد استعدّوا لحربه، فلما قاربهم أذعنوا له، والتزموا طاعته، فدخلها فأقام إلى أن رجع لحرب الفرس، وخرج إليهم، فقهرهم ودانت له أكثر ممالك الدنيا، فلما كان في عشرين سنة من دولته، خرجت الفرس على بعض أطرافه، فغزاهم وأخرجهم عن بلاده، ورأي في منامه كأن بنودا شبه الصليب قد رفعت، وقائلا يقول له: إن أردت أن تظفر بمن خالفك، فاجعل هذه العلامات على جميع بركك، وسكك، فما انتبه أمر بتجهيز أمه هيلانة إلى بيت المقدس في طلب آثار المسيح عليه السلام، وبناء الكنائس، وإقامة شعائر النصرانية، فسارت إلى بيت المقدس، وبنت الكنائس، فيقال: إنّ الأسقف مقاريوس دلّها على الخشبة

<<  <  ج: ص:  >  >>