للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن محاسن مصر: أنه يوجد بها في كل شهر من شهور السنة القبطية صنف من المأكول والمشموم دون ما عداه من بقية الشهور فيقال: رطب توت، ورمان بابه، وموزها تور، وسمك كيهك، وماء طوبة، وخروف امشير، ولبن برمهات، وورد برمودة، ونبق بشنس، وتين بؤنة، وعسل أبيب، وعنب مسرى، ومنها: أن صيفها خريف لكثرة فواكهه وشتاءها ربيع لما يكون بمصر حينئذ من القرظ والكنان.

ومن محاسنها: أن الذي ينقطع من الفواكه في سائر البلدان أيام الشتاء يوجد حينئذ بمصر. ومنها: أن أهل مصر لا يحتاجون في حرّ الصيف إلى استعمال الخيش والدخول في جوف الأرض كما يعانيه أهل بغداد، ولا يحتاجون في برد الشتاء إلى لبس الفرو، والاصطلاء بالنار الذي لا يستغني عنه أهل الشام. كما أنهم أيضا في الصيف غير محتاجين إلى استعمال الثلج، ويقال: زبرجد مصر، وقباطي مصر، وحمير مصر، وثعابين مصر، ومنافعها في الدرياق جليلة.

ومن فضائل مصر: أن الرخامة التي في الحجر من الكعبة من مصر بعث بها محمد بن طريف مولى العباس بن محمد في سنة إحدى وأربعين ومائتين، مع رخامة أخرى خضراء هدية للحجر، فجعلت إحدى الرخامتين على سطح جدر الكعبة، وهما من أحسن الرخام في المسجد خضرة وكان المتولي عليهما عبد الله بن محمد بن داود، ذرعها ذراع وثلاث أصابع. قاله الفاكهي في أخبار مكة.

ومن فضائل مصر: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم تسرّى من أهلها، وولد له صلى الله عليه وسلم من نساء مصر، ولم يولد له ولد من غير نساء العرب إلا من نساء مصر. قال ابن عبد الحكم: لما كانت سنة ست من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية بعث إلى الملوك، فمضى حاطب بن أبي بلتعة بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما انتهى إلى الإسكندرية، وجد المقوقس في مجلس مشرف على البحر، فركب البحر فلما حاذى مجلسه أشار بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصبعيه، فلما رآه أمر بالكتاب فقبض وأمر به فأوصل إليه، فلما قرأ الكتاب قال: ما منعه إن كان نبيا أن يدعو عليّ فيسلط عليّ. فقال له حاطب: ما منع عيسى بن مريم أن يدعو على من أبى عليه أن يفعل به، ويفعل، فوجم ساعة، ثم استعادها، فأعادها عليه حاطب فسكت فقال له حاطب: إنه قد كان قبلك رجل زعم أنه الرب الأعلى فانتقم الله به، ثم انتقم منه، فاعتبر بغيرك، ولا تعتبر بك، وإن لك دينا لن تدعه إلا لما هو خير فيه، وهو الإسلام الكافي لنبيه عمّا سواه، وما بشارة موسى بعيسى إلى كبشارة عيسى بمحمد، وما دعاؤنا إياك إلى القرآن إلا كدعائك أهل التوراة إلى الإنجيل، ولسنا ننهاك عن دين المسيح ولكنا نأمرك به.

ثم قرأ الكتاب فإذا فيه: (بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى المقوقس

<<  <  ج: ص:  >  >>