يعمل في المعجونات، وسائر الأدوية ضعفا في قوتها فأعمار الأدوية المفردة والمركبة المعجون منها، وغير المعجون بمصر أقصر من أعمارها في غير مصر. فيحتاج الطبيب بمصر إلى تقدير ذلك وتمييزه حتى لا يشتبه عليه شيء مما يحتاج إليه. وإذا لم يكتف في تنقية البدن بالدواء المسهل دفعة واحدة، فلا بأس بإعادته بعد أيام، فإن ذلك أحمد من إيراد الدواء الشديد القوّة في دفعة واحدة. قال: ولكون أرض مصر تولد في الأجسام سخافة، وسرعة قبول للمرض وجب أن تكون الأبدان على الهيئة الفاضلة بأرض مصر قليلة جدا.
فأما الأبدان الباقية فكثيرة وأن تكون الصحة التامّة عندهم على الأمر الأكثر في القريبة من الهيئة الفاضلة، والطريق الأولى التي تدبر بها الأبدان في الهيئة الفاضلة يحتاج فيها بأرض مصر إلى أن يدبر الهواء، والغذاء والماء وسائر الأشياء تدبيرا يصير به في غاية الاعتدال.
ولأنّ الهضم كثيرا ما يسوء بأرض مصر. وكذلك الروح الحيواني، فيجب صرف العناية إلى مراعاة أمر القلب والدماغ والكبد والمعدة والعروق وسائر الأعضاء الباطنة في تجويد الهضم، وإصلاح أمر الروح الحيواني وتنظيف الأوساخ الأححة.
وقال في شرح كتاب الأربع لبطليموس: وأما سائر أجزاء الربع الذي يميل إلى وسط جميع الأرض المسكونة أعني بلاد برقة، وسواحل البحر من مريوط إلى الإسكندرية ورشيد ودمياط وتنيس والفرما، وأسفل الأرض بمصر، ونواحي مدينة منف ومدينة الفسطاط، وما يلي شرقي النيل من صعيد مصر والفيوم إلى أعلى الصعيد مما في غرب النيل وأرض الواحات، وأرض النوبة والبجة والأرض التي على البحر في شرقي بلاد النوبة، والحبشة.
فإن هذه البلاد موضوعة في الزاوية التي تؤثر في جميع الربع الموضوع فيما بين الدبور والجنوب. وهي من جملة النصف الغربي من الربع المعمور والكواكب الخمسة المتحيرة تشترك في تدبيرها. فصار أهلها محبين لله، ويعظمون الجنّ، ويحبون النوح، ويدفنون موتاهم في الأرض، ويخفونهم ويستعملون سننا مختلفة، وعادات وآراء شتى لميلهم إلى الأسرار التي تدعو كل طائفة منهم إلى أمر من الأمور الخفية، فيعتقده ويوافقه جماعة ومن أجل هذه الأسرار كان المستخرج للعلوم الدقيقة، كالهندسة والنجوم وغيرها في الزمان الأول أهل مصر، ومنهم تفرقت في العالم وإذا ساسهم غيرهم كانوا أذلّاء. والغالب عليهم الجبن والاستحذاء في الكلام وإذا ساسوا غيرهم كانت أنفسهم طيبة، وهممهم كثيرة، ورجالهم يتخذون نساء كثيرة، وكذلك نساؤهم يتخذن عدة رجال. وهم منهمكون في الجماع، ورجالهم كثيرو النسل، ونساؤهم سريعات الحمل، وكثير من ذكرانهم تكون أنفسهم ضعيفة مؤنثة.
وقال أبو الصلت: وأما سكان أرض مصر فأخلاط من الناس مختلفوا الأصناف والأجناس من قبط وروم وعرب وأكراد وديلم وحبشان، وغير ذلك من الأصناف إلا أن جمهورهم قبط قالوا: والسبب في اختلاطهم تداول المالكين لها، والمتغلبين عليها من