للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العمالقة واليونانيين والروم، وغيرهم. فلهذا اختلطت أنسابهم، واقتصروا من التعريف بأنفسهم على الإشارة إلى مواضعهم، والانتماء إلى مساقطهم فيها.

وحكى أنهم كانوا في الزمن السالف عباد أصنام ومدبري هياكل إلى أن ظهر دين النصرانية، وغلب على أرض مصر. فتنصروا وبقوا على ذلك إلى أن فتحها المسلمون، فأسلم بعضهم، وبقي بعضهم على دين النصرانية.

وأما أخلاقهم فالغالب عليها اتباع الشهوات والانهماك في اللذات والاشتغال بالترهات والتصديق بالمحالات وضعف المرائر والعزمات، ولهم خبرة بالكيد والمكر، وفيهم بالفطرة قوّة عليه وتلطف فيه وهداية إليه لما في أخلاقهم من الملق والبشاشة التي أربوا فيها على من تقدّم وتأخر. وخصوا بالإفراط فيها دون جميع الأمم. حتى صار أمرهم في ذلك مشهورا والمثل بهم مضروبا وفي خبثهم ومكرهم يقول أبو نواس:

محضتكم يا أهل مصر نصيحتي ... ألا فخذوا من ناصح بنصيب

رماكم أمير المؤمنين بحية ... أكول لحيات البلاد شروب

فإن يك باق أفك فرعون فيكم ... فإن عصا موسى بكف خصيب

قال مؤلفه رحمه الله تعالى: وقد مرّ لي قديما أن منطقة الجوزاء تسامت رؤوس أهل مصر. فلذلك يتحدّثون بالأشياء قبل كونها، ويخبرون بما يكون وينذرون بالأمور المستقبلة. ولهم في هذا الباب أخبار مشهورة.

قال ابن الطوير: وقد ذكر استيلاء الفرنج على مدينة صور، فعاد الحفظ والحراسة على مدينة عسقلان فما زالت محمية بالأبدال المجرّدة إليها من العساكر والأساطيل. والدولة تضعف أوّلا فأوّلا باختلاف الآراء فثقلت على الأجناد وكبر أمرها عندهم، واشتغلوا عنها فضايقها الفرنج حتى أخذوها في سنة ثمان وأربعين وخمسمائة، ولقد سمعت رجلا قبل ذلك بسنين يحدّث بهذه الأمور ويقول في سنة ثمان تؤخذ عسقلان بالأمان.

ومن هذا الباب واقعة الكنائس التي للنصارى، وذلك أنه لما كان يوم الجمعة تاسع شهر ربيع الآخر سنة إحدى وعشرين وسبعمائة؛ والناس في صلاة الجمعة كأنما نودي في إقليم مصر كله من قوص إلى الإسكندرية بهدم الكنائس. فهدم في تلك الساعة بهذه المسافة الكبيرة عدد كثير من الكنائس كما ذكر في موضعه من هذا الكتاب، عند ذكر كنائس النصارى.

ومن هذا الباب واقعة ألدمر وذلك: أنه خرج الأمير ألدمر «١» أمير جندار يريد الحج

<<  <  ج: ص:  >  >>