ومماليكه، ولست والله أبرح من موضعي أو تنصرفوا عنّي ولا يلقاني أحد إلا في القصر، فانصرفوا وأقام بعد ذلك خدما من الصقالبة «١» الطرّادين على الطريق بالنوبة لمنع الناس المجيء إلى داره ومن لقائه إلا في القصر، وأمر أبا الفتوح مسعود الصقلبي صاحب الستر «٢» أن يوصل الناس بأسرهم إلى الحاكم وأن لا يمنع أحدا عنه.
فلمّا كان في سابع عشر جمادى الآخرة قرىء سجل على سائر المنابر بتلقيب القائد حسين بقائد القوّاد وخلع عليه، وما زال إلى يوم الجمعة سابع شعبان سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة، فاجتمع سائر أهل الدولة في القصر بعد ما طلبوا، وخرج الأمر إليهم أن لا يقام لأحد، وخرج خادم من عند الخليفة فأسرّ إلى صاحب الستر كلاما، فصاح: صالح بن عليّ، فقام صالح بن عليّ الرودباذي متقلّد ديوان الشام، فأخذ صاحب الستر بيده وهو لا يعلم هو ولا أحد ما يراد به، فأدخل إلى بيت المال وأخرج وعليه درّاعة مصمتة وعمامة مذهّبة ومعه مسعود، فأجلسه بحضرة قائد القوّاد، وأخرج سجلا قرأه ابن عبد السميع الخطيب، فإذا فيه ردّ سائر الأمور التي ينظر فيها قائد القوّاد حسين بن جوهر إليه. فعند ما سمع من السجل ذكره قام وقبّل الأرض. فلما انتهت قراءة السجلّ قام قائد القوّاد وقبّل خدّ صالح وهنأه. وانصرف، فكان يركب إلى القصر ويحضر الأسمطة «٣» إلى اليوم الثالث من شوّال أمره الحاكم أن يلزم داره هو وصهره قاضي القضاة عبد العزيز بن النعمان وأن لا يركباهما وسائر أولادهما، فلبسا الصوف، ومنع الناس من الاجتماع بهما، وصاروا يجلسون على حصر. فلمّا كان في تاسع عشر ذي القعدة عفا عنهما الحاكم، وأذن لهما في الركوب، فركبا إلى القصر بزيّهما من غير حلق شعر ولا تغيير حال الحزن، فلمّا كان في حادي عشر جمادى الآخرة سنة تسع وتسعين وثلاثمائة قبض على عبد العزيز بن النعمان، وطلب حسين بن جوهر ففرّ هو وابنه في جماعة، وكثر الصياح بدار عبد العزيز، وغلقت حوانيت القاهرة وأسواقها، فأفرج عنه ونودي أن لا يغلق أحد فردّ حسين بعد ثلاثة أيام بابنيه، وتمثلوا «٤» بحضرة الحاكم، فعفا عنهم وأمرهم بالمسير إلى دورهم بعد أن خلع على حسين وعلى صهره عبد العزيز وعلى أولادهما، وكتب لهما أمانان، ثمّ أعيد عبد العزيز في شهر رمضان إلى ما كان يتقلّده من النظر في المظالم، ثم ردّ الحاكم في شهر ربيع الأوّل سنة أربعمائة على حسين بن جوهر وأولاده وصهره عبد العزيز ما كان لهم من الإقطاعات وقرىء لهم سجل بذلك.