للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأحلوا بالحج. وركب رسول الله فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر. مكث قليلًا حتى طلعت الشمس، وأمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة (١). فسار رسول الله ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام (٢) كما كانت قريش تصنع في الجاهلية. فأجاز (٣) رسول الله حتى أتى عرفة. فوجد القبة قد ضربت له بنمرة. فنزل بها.

حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء، فرحلت (٤) له، فأتى بطن الوادي (٥) فخطب الناس وقال: "إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث، كان مسترضعًا في بني سعد فقتلته هذيل. وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع ربانا، ربا العباس بن عبد المطلب. فإنه موضوع كله.

فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن في فرشكم أحدًا تكرهونه (٦)، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مبرح (٧)، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به. كتاب الله. وأنتم تسألون عني. فما أنتم قائلون؟ " قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت. فقال بأصبعه


(١) نمرة: موضع بجنب عرفات وليست من عرفات.
(٢) المشعر الحرام: جبل بمزدلفة كانت قريش تقف عليه، ولا تقف مع العرب في عرفات ولكن الرسول خالفهم فوقف مع الناس كما أمره الله ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ﴾ أي سائر العرب غير قريش.
(٣) فأجاز: جاوز المزدلفة ولم يقف بها، وإنما توجه إلى عرفات.
(٤) رحلت: وضع عليها الرحل.
(٥) بطن الوادي: وادي عرنة، وليست عرنة من أرض عرفات عند العلماء كافة، إلا مالكًا فقال: هي من عرفات.
(٦) ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه: أن لا يأذن لأحد تكرهونه في دخول بيوتكم والجلوس في منازلكم. سواء كان المأذون له رجلًا أجنبيًّا أو امرأة أو أحدًا من محارم الزوجة فالنهي يتناول الجميع، وهذا حكم المسألة عند الفقهاء: أنها لا يحل لها أن تأذن لرجل ولا امرأة لا محرم ولا غيره، في دخول منزل الزوج إلا من علمت أو ظنت أن الزوج لا يكرهه.
(٧) الضرب المبرح: الشديد الشاق.

<<  <   >  >>