أَيْ: كَمَا أَنَّ لَهُ أَخْذَهُ (مِنْ مُشْتَرِيهِ مِنْ الْعَدُوِّ) بِثَمَنِهِ، لِئَلَّا يَضِيعَ الثَّمَنُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَحَقُّهُ يَنْجَبِرُ بِالثَّمَنِ، فَرُجُوعُ صَاحِبِ الْمَالِ فِي عَيْنِهِ كَأَخْذِ الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ.
(وَإِنْ وَجَدَهُ) أَيْ: وَجَدَ رَبُّ الْمَالِ مَالَهُ (بِيَدِ مُسْتَوْلٍ عَلَيْهِ) مِنْ الْحَرْبِيِّينَ (وَقَدْ جَاءَنَا بِأَمَانٍ، أَوْ) جَاءَنَا (مُسْلِمًا، فَلَا حَقَّ لَهُ) أَيْ: لِرَبِّهِ (فِيهِ) لِحَدِيثِ «مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ» قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: وَإِذَا أَسْلَمُوا وَفِي أَيْدِيهِمْ أَمْوَالُ الْمُسْلِمِينَ فَهِيَ لَهُمْ نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ.
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ لَيْسَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ اخْتِلَافٌ فِي ذَلِكَ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى أَنَّ كُلَّ مَا قَبَضَهُ الْكُفَّارُ مِنْ الْأَمْوَالِ قَبْضًا يَعْتَقِدُونَ جَوَازَهُ، فَإِنَّهُ يَسْتَقِرُّ لَهُمْ بِالْإِسْلَامِ كَالْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ وَالْأَنْكِحَةِ وَالْمَوَارِيثِ وَغَيْرِهَا، وَلِهَذَا لَا يَضْمَنُونَ مَا أَتْلَفُوهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِالْإِجْمَاعِ انْتَهَى، وَإِنْ كَانَ أَخْذُهُ مِنْ الْمُسْتَوْلِي عَلَيْهِ هِبَةً أَوْ سَرِقَةً أَوْ شِرَاءً فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ حَالَ كُفْرِهِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ بِقَهْرِهِ الْمُسْلِمَ.
(وَإِنْ أَخَذَهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ أَوْ سَرَقَهُ أَحَدٌ مِنْ الرَّعِيَّةِ مِنْ الْكُفَّارِ أَوْ أَخَذَهُ) أَحَدٌ (هِبَةً فَصَاحِبُهُ أَحَقُّ بِهِ بِغَيْرِ شَيْءٍ) لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ «أَنَّ قَوْمًا أَغَارُوا عَلَى سَرْحِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخَذُوا جَارِيَةً وَنَاقَةً مِنْ الْأَنْصَارِ فَأَقَامَتْ عِنْدَهُمْ أَيَّامًا، ثُمَّ خَرَجَتْ، فَرَكِبَتْ النَّاقَةَ، وَنَذَرَتْ إنْ نَجَّاهَا عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا، فَلَمَّا قَدِمَتْ الْمَدِينَةَ أَخَذَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَاقَتَهُ فَأَخْبَرَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَذْرِهَا، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، بِئْسَ مَا جَزَيْتِيهَا نَذَرْتِ لِلَّهِ إنْ نَجَّاهَا اللَّهُ عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا، لَا وَفَاءَ فِي مَعْصِيَةٍ وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(وَإِنْ تَصَرَّفَ فِيهِ مَنْ أَخَذَهُ مِنْهُمْ) أَيْ: مِنْ الْحَرْبِيِّينَ (صَحَّ تَصَرُّفُهُ) ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مِنْ مَالِكٍ فَصَحَّ كَمَا لَوْ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْ الْكُفَّارِ (مِثْلُ أَنْ بَاعَهُ الْمُغْتَنَمَ، أَوْ رَهَنَهُ، وَيَمْلِكُ رَبُّهُ انْتِزَاعَهُ مِنْ الثَّانِي) كَمَا لَوْ كَانَ بِيَدِ الْأَوَّل وَإِنْ أَوْقَفَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ لَزِمَ، وَفَاتَ عَلَى رَبِّهِ.
(وَتَمْنَعُ الْمُطَالَبَةُ التَّصَرُّفَ فِيهِ كَالشُّفْعَةِ) أَيْ: كَمَا أَنَّ الطَّلَبَ بِالشُّفْعَةِ يَمْنَعُ الْمُشْتَرِيَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ (وَتُرَدُّ مُسْلِمَةٌ سَبَاهَا الْعَدُوُّ إلَى زَوْجِهَا) ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَهَا وَكَذَا ذِمِّيَّةٌ (وَوَلَدُهَا) أَيْ: الْحُرَّةِ (مِنْهُمْ) أَيْ: مِنْ الْحَرْبِيِّينَ (كَ) وَلَدِ (مُلَاعَنَةٍ، وَ) وَلَدِ (زِنًا) ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُمْ، وَلَا شُبْهَةَ مِلْكٍ، وَإِنْ كَانَتْ مُسْلِمَةً، وَأَبَى وَالِدُهَا الْإِسْلَامَ حُبِسَ، وَضُرِبَ حَتَّى يُسْلِمَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى الْكُفْرِ.
(وَمَا لَمْ يَمْلِكُوهُ) كَالْوَقْفِ (فَلَا يُغْنَمُ بِحَالٍ، وَيَأْخُذُهُ رَبُّهُ إنْ وَجَدَهُ مَجَّانًا، وَلَوْ بَعْدَ إسْلَامِ مَنْ هُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute