الْهُدْنَةِ) أَيْ: الْأَمَانِ (بِغَيْرِ جِزْيَةٍ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ كَافِرٌ أُبِيحَ لَهُ الْمُقَامُ فِي دَارِنَا مِنْ غَيْرِ الْتِزَامِ جِزْيَةٍ فَلَمْ تَلْزَمْهُ كَالنِّسَاءِ.
(وَمَنْ دَخَلَ مِنَّا) مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ (دَارَهُمْ) أَيْ: الْكُفَّارِ (بِأَمَانٍ حَرُمَتْ عَلَيْهِ خِيَانَتُهُمْ) ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا أَعْطَوْهُ الْأَمَانَ بِشَرْطِ عَدَمِ خِيَانَتِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَذْكُورًا فِي اللَّفْظِ فَهُوَ مَعْلُومٌ فِي الْمَعْنَى، وَلَا يَصْلُحُ فِي دِينِنَا الْغَدْرُ (وَ) حَرُمَتْ عَلَيْهِ (مُعَامَلَتُهُمْ بِالرِّبَا) لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ (فَإِنْ خَانَهُمْ) شَيْئًا (أَوْ سَرَقَ مِنْهُمْ) شَيْئًا (أَوْ اقْتَرَضَ) مِنْهُمْ (شَيْئًا وَجَبَ رَدُّهُ إلَى أَرْبَابِهِ) فَإِنْ جَاءُوا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ أَعْطَاهُ لَهُمْ وَإِلَّا بَعَثَهُ إلَيْهِمْ،؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مَعْصُومٌ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ (وَمَنْ جَاءَنَا مِنْهُمْ بِأَمَانٍ فَخَانَنَا كَانَ نَاقِضًا لِأَمَانِهِ) لِمُنَافَاةِ الْخِيَانَةِ لَهُ.
(وَمَنْ دَخَلَ) مِنْهُمْ (دَارَ الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ أَمَانٍ وَادَّعَى أَنَّهُ رَسُولٌ أَوْ تَاجِرٌ وَمَعَهُ مَتَاعٌ يَبِيعُهُ قُبِلَ مِنْهُ إنْ صَدَّقَتْهُ عَادَةٌ كَدُخُولِ تِجَارَتِهِمْ إلَيْنَا وَنَحْوِهِ) ؛ لِأَنَّ مَا ادَّعَاهُ مُمْكِنٌ، فَيَكُونُ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْقَتْلِ، وَلِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يُتَعَرَّضُ لَهُ وَلِجَرَيَانِ الْعَادَةِ مَجْرَى الشَّرْطِ.
(وَإِلَّا) فَإِنْ انْتَفَتْ الْعَادَةُ وَجَبَ بَقَاؤُهُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ عَدَمِ الْعِصْمَةِ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ تِجَارَةٌ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ إذَا قَالَ جِئْتُ مُسْتَأْنِسًا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ صَادِقٍ وَحِينَئِذٍ (فَ) يَكُونُ (كَأَسِيرٍ) يُخَيَّرُ فِيهِ الْإِمَامُ بَيْنَ قَتْلٍ وَرِقٍّ وَمَنٍّ وَفِدَاءٍ.
(وَإِنْ كَانَ جَاسُوسًا) وَهُوَ صَاحِبُ سِرِّ الشَّرِّ وَعَكْسُهُ النَّامُوسُ (فَكَأَسِيرٍ) يُخَيَّرُ فِيهِ، الْإِمَامُ لِقَصْدِهِ نِكَايَةَ الْمُسْلِمِينَ.
(وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ ضَلَّ الطَّرِيقَ أَوْ حَمَلْتُهُ رِيحٌ فِي مَرْكَبِهِ إلَيْنَا، أَوْ شَرَدَ إلَيْنَا بَعْضُ دَوَابِّهِمْ، أَوْ أَبَقَ بَعْضُ رَقَبَتِهِمْ فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ غَيْرُ مَخْمُوسٍ) ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ ظَهَرَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ قِتَالٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَكَانَ لِأَخْذِهِ ذَلِكَ كَالصَّيْدِ.
(وَلَا يَدْخُلُ أَحَدٌ مِنْهُمْ إلَيْنَا بِلَا إذْنٍ وَلَوْ رَسُولًا وَتَاجِرًا) أَيْ: يَحْرُمُ ذَلِكَ كَمَا فِي الْمُبْدِعِ.
(وَيُنْتَقَضُ الْأَمَانُ بِرِدَّةٍ وَبِالْخِيَانَةِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ فِي دِينِنَا الْغَدْرُ (وَتَقَدَّمَ) فِي الْبَابِ.
(وَإِنْ أَوْدَعَ الْمُسْتَأْمَنُ مَالَهُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ أَقْرَضَهُ) الْمُسْتَأْمَنُ (إيَّاهُ) أَيْ: مَالَهُ (ثُمَّ عَادَ) الْمُسْتَأْمَنُ (إلَى دَارِ الْحَرْبِ لِتِجَارَةٍ أَوْ حَاجَةٍ عَلَى عَزْمِ عَوْدِهِ إلَيْنَا فَهُوَ عَلَى أَمَانِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ.
(وَإِنْ دَخَلَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ مُسْتَوْطِنًا أَوْ مُحَارِبًا أَوْ نَقَضَ ذِمِّيٌّ عَهْدَهُ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَمْ لَا انْتَقَضَ) عَهْدُهُ (فِي نَفْسِهِ وَبَقِيَ فِي مَالِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ ثَبَتَ لِمَا لَهُ، فَإِذَا بَطَلَ فِي نَفْسِهِ بِدُخُولِهِ إلَيْهَا وَبَقِيَ فِي مَالِهِ الَّذِي لَمْ يَدْخُلْ لِاخْتِصَاصِ الْمُبْطِل بِنَفْسِهِ لَا يُقَالُ: إذَا بَطَلَ فِي الْمَتْبُوعِ فَالتَّابِعُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ تَبَعًا وَإِنَّمَا ثَبَتَ فِيهِمَا جَمِيعًا فَإِذَا بَطَلَ فِي أَحَدِهِمَا بَقِيَ الْآخِرُ وَلَوْ سَلَّمَ فَيَحُوزُ بَقَاءُ حُكْمِ التَّبَعِ