(وَ) يَجِبُ (عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُرَاسِلَهُمْ) أَيْ الْبُغَاةَ (وَيَسْأَلَهُمْ مَا يَنْقِمُونَ مِنْهُ) لِأَنَّ ذَلِكَ طَرِيقٌ إلَى الصُّلْحِ وَوَسِيلَةٌ إلَى الرُّجُوعِ إلَى الْحَقِّ وَقَدْ رُوِيَ " أَنَّ عَلِيًّا رَاسَلَ أَهْلَ الْبَصْرَةِ قَبْلَ وَقْعَةِ الْجَمَلِ " وَلَمَّا اعْتَزَلَتْهُ الْحَرُورِيَّةُ بَعَثَ إلَيْهِمْ ابْنَ عَبَّاسٍ فَوَاضَعُوهُ كِتَاب اللَّهِ ثَلَاثَة أَيَّامٍ فَرَجَعَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةُ آلَافٍ.
(وَ) أَنْ (يُزِيلَ مَا يَذْكُرُونَهُ مِنْ مَظْلِمَةٍ وَيَكْشِفَ مَا يَدَّعُونَهُ مِنْ شُبْهَةٍ) لِأَنَّ ذَلِكَ طَرِيقٌ إلَى رُجُوعِهِمْ إلَى الْحَقِّ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ (وَلَا يَجُوزُ قِتَالُهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى الْقَتْلِ وَالْهَرَجِ وَالْمَرَجِ قَبْلَ دُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (إلَّا أَنْ يَخَافَ كَلَبَهُمْ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَاللَّامِ أَيْ شَرَّهُمْ فَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي حَقِّهِمْ كَالصَّائِلِ إذَا خَافَ أَنْ يَبْدَأَهُ بِالْقَتْلِ (فَإِنْ أَبَوْا الرُّجُوعَ وَعَظَهُمْ وَخَوَّفَهُمْ بِالْقِتَالِ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ دَفْعُ شَرِّهِمْ لَا قَتْلُهُمْ (فَإِنْ فَاءُوا) أَيْ رَجَعُوا إلَى الطَّاعَةِ تَرَكَهُمْ (وَإِلَّا لَزِمَهُ قِتَالُهُمْ إنْ كَانَ قَادِرًا) لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ.
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْأَفْضَلُ تَرْكُهُ حَتَّى يَبْدَءُوهُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْإِمَامُ قَادِرًا عَلَى قِتَالِهِمْ (أَخَّرَهُ إلَى الْإِمْكَانِ) أَيْ إلَى الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦] .
(وَ) يَجِبُ (عَلَى رَعِيَّتِهِ مَعُونَتُهُ عَلَى حَرْبِهِمْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: ٥٩] وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ.
(وَإِنْ اسْتَنْظَرُوهُ) أَيْ طَلَبَ الْبُغَاةُ مِنْهُ أَنْ يُنْظِرَهُمْ (مُدَّةً رَجَاءَ رُجُوعِهِمْ فِيهَا أَنْظَرَهُمْ) حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعَ مَنْ يَحْفَظُ عَنْهُ لِأَنَّ الْإِنْظَارَ إذَنْ أَوْلَى مِنْ مُعَالَجَتِهِمْ بِالْقِتَالِ الْمُؤَدِّي إلَى الْهَرَجِ وَالْمَرَجِ (وَإِنْ ظَنَّ) الْإِمَامُ (أَنَّهَا) أَيْ طَلَبَ مُقَاتِلَتِهِمْ الْإِنْظَارَ (مَكِيدَةٌ لَمْ يُنْظِرْهُمْ) لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَصِيرَ طَرِيقًا إلَى قَهْرِ أَهْلِ الْحَقِّ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ (وَإِنْ أَعْطَوْهُ مَالًا وَإِنْ بَذَلُوا رَهَائِنَ عَلَى إنْظَارِهِمْ لَمْ يَجُزْ أَخْذُهَا لِتِلْكَ) لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ لِغَدْرِ أَهْلِهِمْ فَلَا يُفِيدُ شَيْئًا (فَإِنْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ) أَيْ الْبُغَاةِ (أَسْرَى مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَأَعْطَوْا بِذَلِكَ رَهَائِنَ مِنْهُمْ قَبِلَهُمْ الْإِمَامُ وَاسْتَظْهَرَ لِلْمُسْلِمِينَ) لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُ مَا فِيهِ
الْمَصْلَحَةِ
(فَإِنْ أَطْلَقُوا) أَيْ الْبُغَاةُ (الْأَسْرَى) مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ (أُطْلِقَتْ رَهَائِنُهُمْ) وَفَاءً لَهُمْ بِمَا قِيلَ لَهُمْ (فَإِنْ قَتَلُوا مَنْ عِنْدَهُمْ) مِنْ أَسْرَى أَهْلِ الْعَدْلِ (لَمْ يَجُزْ قَتْلُ رَهَائِنِهِمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute