يَجِدْ غَيْرَهُمَا تَحَرَّى الْمُضْطَرُّ فِيهِمَا) أَيْ اجْتَهَدَ وَأَكَلَ مِمَّا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهَا الْمُذَكَّاةُ لِلْحَاجَةِ (وَحَرُمَتَا عَلَى غَيْرِهِ) مِمَّنْ لَيْسَ بِمُضْطَرٍّ كَمَا لَوْ اشْتَبَهَتْ أُخْتُهُ بِأَجْنَبِيَّاتٍ.
(وَلَوْ وَجَدَ) الْمُضْطَرُّ (مَيْتَتَيْنِ مُخْتَلَفٌ فِي أَحَدِهِمَا) فَقَطْ (أَكَلَهَا دُونَ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا) لِأَنَّ الْمُخْتَلَفَ فِيهَا مُبَاحَةٌ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ فَإِذَا وَجَدَهَا كَانَ وَاجِدًا لِلْمُبَاحِ عَلَى ذَلِكَ، الْقَوْلِ فَتَحْرُمُ عَلَيْهِ الْأُخْرَى وَلِأَنَّهَا أَخَفُّ (وَإِنْ لَمْ يَجِدْ) الْمُضْطَرُّ (شَيْئًا) مُبَاحًا وَلَا مُحَرَّمًا (لَمْ يُبَحْ لَهُ أَكْلُ بَعْضَ أَعْضَائِهِ) لِأَنَّهُ يُتْلِفُهُ لِتَحْصِيلِ مَا هُوَ مَوْهُومٌ.
(وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا طَعَامًا) لَمْ يَبْذُلْهُ مَالِكُهُ (أَوْ) لَمْ يَجِدْ إلَّا (مَا لَمْ يَبْذُلْهُ مَالِكُهُ فَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ مُضْطَرًّا إلَيْهِ وَلَوْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ) بِأَنْ كَانَ خَائِفًا أَنْ يُضْطَرَّ (فَهُوَ) أَيْ صَاحِبُهُ (أَحَقُّ بِهِ) لِأَنَّهُ سَاوَاهُ فِي الضَّرُورَةِ وَانْفَرَدَ بِالْمِلْكِ أَشْبَهَ غَيْرَ حَالَةِ الِاضْطِرَارِ (إلَّا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ لَهُ أَخْذُ الْمَاءِ مِنْ الْعَطْشَانِ وَيَلْزَمُ كُلُّ أَحَدٍ أَنْ يَقِيَهُ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ وَلَهُ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (طَلَبُهُ) أَيْ الْمَاءِ مِنْ الْعَطْشَانِ وَنَحْوِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: ٦] .
(وَلَيْسَ لِلْمُضْطَرِّ الْإِيثَارُ بِالطَّعَامِ الَّذِي مَعَهُ فِي حَالَ اضْطِرَارِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: ١٩٥] (وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمُضْطَرِّ طَعَامَهُ الْمُضْطَرَّ إلَيْهِ فَإِنْ أَخَذَهُ فَمَاتَ) صَاحِبُهُ جُوعًا (لَزِمَهُ) أَيْ الْآخِذَ (ضَمَانُهُ) لِأَنَّهُ قَتَلَهُ ظُلْمًا (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ مُضْطَرًّا إلَيْهِ لَزِمَهُ بَذْلُهُ) لِلْمُضْطَرِّ (بِقِيمَتِهِ) لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ إحْيَاءُ نَفْسٍ آدَمِيٍّ مَعْصُومٍ فَلَزِمَهُ بَذْلُهُ كَمَا يَلْزَمُهُ بَذْلُ مَنَافِعِهِ فِي تَخْلِيصِهِ مِنْ الْغَرَقِ.
(فَإِنْ أَبَى) رَبُّ الطَّعَامِ بَذْلَهُ (أَخَذَهُ) الْمُضْطَرُّ (بِالْأَسْهَلِ مِنْ شِرَاءٍ أَوْ اسْتِرْضَاءٍ وَلَا يَجُوزُ قِتَالُهُ) حَيْثُ أَمْكَنَ أَخَذَهُ بِدُونِهِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ كَدَفْعِ الصَّائِلِ (فَإِنْ أَبَى) رَبُّ الطَّعَامِ بَذْلَهُ بِالْأَسْهَلِ (أَخَذَهُ) الْمُضْطَرُّ (قَهْرًا) لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ دُونَ مَالِكِهِ (وَيُعْطِيهِ) الْمُضْطَرُّ (عِوَضَهُ) أَيْ مِثْلَهُ أَوْ قِيمَتَهُ لِئَلَّا يَجْتَمِعَ عَلَى مَالِكِهِ فَوَاتُ الْعَيْنِ وَالْمَالِيَّةِ (فَإِنْ مَنَعَهُ) أَيْ مَنَعَ رَبُّ الطَّعَامِ الْمُضْطَرَّ مِنْ أَخْذِهِ (فَلَهُ قِتَالُهُ عَلَى مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ) لِأَنَّهُ مَنَعَهُ مِنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ أَشْبَهَ مَانِعِي الزَّكَاةِ.
(فَإِنْ قُتِلَ صَاحِبُ الطَّعَامِ لَمْ يَجِبْ ضَمَانُهُ) لِأَنَّهُ ظَالِمٌ بِقِتَالِهِ أَشْبَهَ الصَّائِلَ (وَإِنْ قُتِلَ الْمُضْطَرُّ فَعَلَيْهِ) أَيْ صَاحِبِ الطَّعَامِ (ضَمَانُهُ) لِأَنَّهُ قَتَلَهُ ظُلْمًا (وَيَلْزَمُهُ) أَيْ الْمُضْطَرَّ (عِوَضُهُ) أَيْ الطَّعَامِ (فِي كُلِّ مَوْضِعٍ أَخَذَهُ) لِمَا تَقَدَّمَ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) الْعِوَضُ (مَعَهُ) أَيْ الْمُضْطَرِّ (فِي الْحَالِ) بِأَنْ كَانَ مُعْسَرًا (لَزِمَهُ) الْعِوَضُ (فِي ذِمَّتِهِ) إذَا أَيْسَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute