نَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ عَلَيْهِ أَنْ يَجْتَهِدَ قَالَ عُمَرُ " وَاَللَّهِ مَا يَدْرِي عُمَرُ أَصَابَ الْحَقَّ أَمْ أَخْطَأَ " وَلَوْ كَانَ حَكَمٌ يَحْكُمُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقُلْ هَذَا وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ لَا تُقَلِّدْ أَمْرَك أَحَدًا وَعَلَيْكَ بِالْأَثَرِ.
وَقَالَ الْمُفَضَّلُ بْنُ زِيَادٍ: لَا تُقَلِّدْ دِينَكَ الرِّجَالَ فَإِنَّهُمْ لَنْ يُسْأَلُوا أَنْ يَغْلَطُوا.
(وَيَحْرُمُ الْقَضَاءُ وَهُوَ غَضْبَانُ كَثِيرًا) لِخَبَرِ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَقْضِيَنَّ حَاكِمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا حَمَلَهُ الْغَضَبُ عَلَى الْجَوْرِ فِي الْحُكْمِ (أَوْ) وَهُوَ (حَاقِنٌ أَوْ حَاقِبٌ أَوْ فِي شِدَّةِ جُوعٍ أَوْ عَطَشٍ أَوْ هَمٍّ أَوْ غَمٍّ أَوْ وَجَعٍ أَوْ نُعَاسٍ أَوْ بَرْدٍ مُؤْلِمٍ أَوْ حَرٍّ مُزْعِجٍ أَوْ تَوَقَانِ جِمَاعٍ أَوْ شِدَّةِ مَرَضٍ أَوْ خَوْفٍ أَوْ فَرَحٍ غَالِبٍ أَوْ مَلَلٍ أَوْ كَسَلٍ وَنَحْوِهِ) كَحُزْنٍ قِيَاسًا عَلَى الْغَضَبِ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ حُضُورَ الْقَلْبِ وَاسْتِيفَاءَ الذِّكْرِ الَّذِي يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى إصَابَةِ الْحَقِّ فِي الْغَالِبِ فَهُوَ فِي مَعْنَى الْغَضَبِ (فَإِنْ خَالَفَ) الْقَاضِي (وَحَكَمَ) فِي حَالٍ مِنْ تِلْكَ الْأَحْوَالِ (فَوَافَقَ الْحَقَّ نَفَذَ) حُكْمُهُ خِلَافًا لِلْقَاضِي، قَالَ: لِأَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي فَسَادُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَكَانَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقَضَاءُ مَعَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ غَلَطٌ يُقِرُّ عَلَيْهِ لَا قَوْلًا وَلَا فِعْلًا فِي حُكْمٍ وَتَقَدَّمَ فِي الْخَصَائِصِ.
(وَيُحَرَّمُ) عَلَى الْقَاضِي (قَبُولُ رِشْوَةٍ) بِتَثْلِيثِ الرَّاءِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ فِي زَادِ الْمُسَافِرِ وَزَادَ " وَالرَّائِشَ " وَهُوَ السَّفِيرُ بَيْنَهُمَا (وَهِيَ) أَيْ الرِّشْوَةِ (مَا يُعْطَى بَعْدَ طَلَبِهِ) لَهَا (وَيُحَرَّمُ بَذْلُهَا مِنْ الرَّاشِي لِيَحْكُمَ بِبَاطِلٍ، أَوْ يَدْفَعُ عَنْهُ حَقًّا وَإِنَّ رَشَّاهُ لِيَدْفَعَ) عَنْهُ (ظُلْمَهُ وَيَجْرِيهِ عَلَى وَاجِبِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ فِي حَقِّهِ) قَالَ عَطَاءٌ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَالْحَسَنُ: لَا بَأْسَ أَنْ يُصَانِعَ عَنْ نَفْسِهِ وَلِأَنَّهُ يَسْتَفِيدُ مَا لَهُ كَمَا يَسْتَفِيدُ الرَّجُلُ أَسِيرَهُ.
(وَيَحْرُمُ قَبُولُهُ) أَيْ الْقَاضِي (هَدِيَّةً) لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ قَالَ «بَعَثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا مِنْ الْأَزْدِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَقَالَ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ إلَيَّ فَقَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: مَا بَالُ الْعَامِلِ نَبْعَثُهُ فَيَجِيءُ فَيَقُولُ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ إلَيَّ؟ أَلَا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ فَيَنْظُرَ أَيُهْدَى إلَيْهِ أَمْ لَا؟ وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا نَبْعَثُ أَحَدًا مِنْكُمْ فَيَأْخُذُ شَيْئًا إلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute