(كَآذَانٍ) الظَّاهِرُ: أَنَّهُ تَشْبِيهٌ لِلْمَنْفِيِّ أَيْ لَيْسَ وُجُوبُ الْجَمَاعَةِ وُجُوبَ كِفَايَةٍ كَآذَانٍ فَإِنَّ وُجُوبَهُ وُجُوبُ كِفَايَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: وَيُقَاتَلُ تَارِكُ الْجَمَاعَةِ، كَتَارِكِ الْآذَانِ، لَكِنَّ الْآذَانَ إنَّمَا يُقَاتَلُ عَلَى تَرْكِهِ إذَا تَرَكَهُ أَهْلُ الْبَلَدِ كُلُّهُمْ، بِخِلَافِ الْجَمَاعَةِ فَإِنَّهُ يُقَاتَلُ تَارِكُهَا، وَإِنْ أَقَامَهَا غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا عَلَى الْأَعْيَانِ، بِخِلَافِهِ وَقَوْلُهُ (لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ الْمُؤَدَّاةِ حَضَرًا وَسَفَرًا) مُتَعَلِّقٌ بِوَاجِبَةٍ (حَتَّى فِي خَوْفٍ) شَدِيدٍ أَوْ غَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ} [النساء: ١٠٢] الْآيَةَ؛ لِأَنَّهَا نَزَلَتْ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ وَالْغَالِبُ كَوْنُ الْخَوْفِ فِي السَّفَرِ فَمَعَ الْأَمْنِ وَفِي الْحَضَرِ أَوْلَى (عَلَى الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ الْقَادِرِينَ) عَلَيْهَا (دُونَ) غَيْرِ الْخَمْسِ، كَالْكُسُوفِ وَالْوَتْرِ وَالْمَنْذُورَةِ، دُونَ الْمَقْضِيَّاتِ مِنْ الْخَمْسِ، وَدُونَ (النِّسَاءِ وَالْخَنَاثَى) وَالصِّبْيَانِ.
وَمَنْ فِيهِ رِقٌّ أَوْ لَهُ عُذْرٌ مِمَّا يَأْتِي فِي آخِرِ الْبَابِ لِمَا يَأْتِي (لَا) أَيْ لَيْسَتْ الْجَمَاعَةُ بِ (شَرْطٍ لِصِحَّتِهَا) أَيْ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ كَمَا اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ قِيَاسًا عَلَى الْجُمُعَةِ، لِخَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَرْفَعُهُ «مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ اتِّبَاعِهِ عُذْرٌ لَمْ يَقْبَلْ اللَّهُ مِنْهُ الصَّلَاةَ الَّتِي صَلَّاهَا» رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَرُوِيَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو مُوسَى قَالُوا مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ ثُمَّ لَمْ يُجِبْ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَلَا صَلَاةَ لَهُ لَكِنْ قَالَ الشَّرِيفُ: لَا يَصِحُّ عَنْ صَاحِبِنَا فِي كَوْنِهَا شَرْطًا (إلَّا فِي جُمُعَةٍ وَعِيدٍ) فَالْجَمَاعَةُ شَرْطٌ فِيهِمَا، عَلَى مَا يَأْتِي تَوْضِيحُهُ (وَ) حَيْثُ تَقَرَّرَ أَنَّهَا لَيْسَتْ شَرْطًا لِلْخَمْسِ فَإِنَّهَا (تَصِحُّ مِنْ مُنْفَرِدٍ، وَلَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَفِي صَلَاتِهِ) أَيْ الْمُنْفَرِدِ (فَضْلٌ مَعَ الْإِثْمِ) ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ النِّسْبَةِ بَيْنَهُمَا بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ ثُبُوتُ الْأَجْرِ فِيهِمَا وَإِلَّا فَلَا نِسْبَةَ وَلَا تَقْدِيرَ.
(وَتَفْضُلُ الْجَمَاعَةُ عَلَى صَلَاتِهِ) أَيْ الْمُنْفَرِدِ (بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ عَلَى صَلَاةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا النَّسَائِيَّ وَأَبَا دَاوُد قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ لَمَّا كَانَتْ صَلَاةُ الْفَذِّ مُفْرَدَةً أَشْبَهَتْ الْعَدَدَ الْمُفْرَدَ، فَلَمَّا جُمِعَتْ مَعَ غَيْرِهَا أَشْبَهَتْ ضَرْبَ الْعَدَدِ وَكَانَتْ خَمْسًا، فَضُرِبَتْ فِي خَمْسٍ فَصَارَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ وَهِيَ غَايَةُ مَا يَرْتَفِعُ إلَيْهِ ضَرْبُ الشَّيْءِ فِي نَفْسِهِ وَأُدْخِلَتْ صَلَاةُ الْمُنْفَرِدِ وَصَلَاةُ الْإِمَامِ مَعَ الْمُضَاعَفَةِ فِي الْحِسَابِ (وَلَا يَنْقُصُ أَجْرُهُ) أَيْ الْمُصَلِّي مُنْفَرِدًا (مَعَ الْعُذْرِ) لِمَا رَوَى أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كَتَبَ اللَّهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ صَحِيحًا مُقِيمًا» قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute