للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عُرِفَ بِغِنًى أَوْ ادَّعَى إنْسَانٌ أَنَّهُ مُكَاتَبٌ، أَوْ غَارِمٌ لِنَفْسِهِ، لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَا يَدَّعِيهِ وَبَرَاءَةُ الذِّمَّةِ (بِخِلَافِ غَازٍ) فَإِذَا ادَّعَى إرَادَةَ الْغَزْوِ أُعْطِيَ مُرَاعًى وَكَذَا لَوْ ادَّعَى ابْنُ السَّبِيلِ إرَادَةَ الْعَوْدِ وَتَقَدَّمَ.

(وَيَكْفِي اشْتِهَارُ الْغُرْمِ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ) أَيْ اسْتِفَاضَةٌ، فَتَقُومُ مَقَامَ الْبَيِّنَةِ بِهِ (فَإِنْ خَفِيَ) الْغُرْمُ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ (لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ (وَالْبَيِّنَةُ فِيمَنْ عُرِفَ بِغِنًى ثَلَاثَةُ رِجَالٍ) لِمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ قَبِيصَةَ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَحِلُّ الْمَسْأَلَةُ إلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ رَجُلٍ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَشْهَدَ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ: لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ، أَوْ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

(وَإِنْ صَدَّقَ الْمُكَاتَبَ سَيِّدُهُ) قُبِلَ وَأُعْطِيَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي الْعَبْدِ لِلسَّيِّدِ إذَا أَقَرَّ بِانْتِقَالِ حَقِّهِ عَنْهُ قُبِلَ (أَوْ) صَدَّقَ (الْغَارِمَ غَرِيمُهُ قُبِلَ وَأُعْطِيَ) ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُكَاتَبِ، وَفِيهِ وَجْهٌ لَا يُقْبَلُ لِجَوَازِ تَوَاطُئِهِمَا عَلَى أَخْذِ الْمَالِ.

(وَإِنْ ادَّعَى الْفَقْرَ مَنْ لَمْ يُعْرَفْ بِالْغِنَى قُبِلَ) قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ اسْتِصْحَابُ الْحَالِ السَّابِقَةِ، وَالظَّاهِرُ صِدْقُهُ (وَإِنْ كَانَ جَلْدًا) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ اللَّامِ، أَيْ شَدِيدًا قَوِيًّا (وَعُرِفَ لَهُ كَسْبٌ) يَكْفِيهِ (لَمْ يَجُزْ إعْطَاؤُهُ وَلَوْ لَمْ يَمْلِكْ شَيْئًا) ؛ لِأَنَّهُ غَنِيٌّ بِكَسْبِهِ (فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ) لَهُ مَالٌ (وَذَكَرَ أَنَّهُ لَا كَسْبَ لَهُ أَعْطَاهُ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ) ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُحَلِّفْ عَلَى ذَلِكَ (إذَا لَمْ يَعْلَمْ كَذِبَهُ) فَإِنْ عَلِمَهُ لَمْ يُعْطِهِ؛ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِأَخْذِهَا (بَعْدَ أَنْ يُخْبِرَهُ وُجُوبًا فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ) وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُبْدِعِ (أَنَّهُ لَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ، وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ) ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ سَأَلَاهُ، وَلَمْ يُحَلِّفْهُمَا.

وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ أَنَّهُ قَالَ «أَتَيْنَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلْنَاهُ مِنْ الصَّدَقَةِ فَصَعَّدَ فِينَا النَّظَرَ، فَرَآنَا جَلْدَيْنِ، فَقَالَ: إنْ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا، وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ، وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

(وَإِنْ رَآهُ مُتَجَمِّلًا قُبِلَ قَوْلُهُ أَيْضًا) إنَّهُ فَقِيرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الْغِنَى، قَالَ تَعَالَى {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ} [البقرة: ٢٧٣] .

(لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُخْبِرَهُ أَنَّهَا زَكَاةٌ) وَإِنْ رَآهُ ظَاهِرَ الْمَسْأَلَةِ أَعْطَاهُ مِنْهَا، وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُ (وَالْقُدْرَةُ عَلَى اكْتِسَابِ الْمَالِ بِالْبُضْعِ لَيْسَ بِغَنِيٍّ مُعْتَبَرٍ فَلَا تُمْنَعُ الْمَرْأَةُ)

<<  <  ج: ص:  >  >>